(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) (٥٠)
هذه المعروفة وتبدّل السماوات غير السماوات ، وإنما حذف لدلالة ما قبله عليه ، والتبديل التغيير ، وقد يكون في الذوات كقولك بدلت الدراهم دنانير ، وفي الأوصاف كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبتها وسويتها خاتما فنقلتها من شكل إلى شكل ، واختلف في تبديل الأرض والسماوات فقيل تبدّل أوصافها ، وتسير عن الأرض جبالها ، وتفجر بحارها ، وتسوى ، فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي تلك الأرض وإنما تغيّر. وتبدّل السماء بانتثار كواكبها ، وكسوف شمسها ، وخسوف قمرها ، وانشقاقها وكونها أبوابا ، وقيل تخلق بدلها أرض وسماوات أخر. وعن ابن مسعود رضي الله عنه : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة (١) ، وعن علي رضي الله عنه : تبدل أرضا من فضة وسماوات من ذهب (٢) (وَبَرَزُوا) وخرجوا من قبورهم (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) هو كقوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٣) لأنّ الملك إذا كان لواحد غلّاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره كان الأمر في غاية الشدة.
٤٩ ـ (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) الكافرين (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (مُقَرَّنِينَ) قرن بعضهم مع بعض ، أو مع الشياطين ، أو قرنت أيديهم إلى أرجلهم مغلّلين (فِي الْأَصْفادِ) متعلق بمقرّنين أي يقرنون في الأصفاد ، أو غير متعلق به والمعنى مقرّنين مصفّدين ، والأصفاد القيود أو الأغلال.
٥٠ ـ (سَرابِيلُهُمْ) قمصهم (مِنْ قَطِرانٍ) هو ما يتحلّب من شجر يسمى الأبهل ، فيطبخ ، فيهنأ به الإبل الجربى ، فيحرق الجرب بحدته وحره ، ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار ، وهو أسود اللون منتن الريح ، فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ليجتمع عليهم لذع القطران وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح ، على أنّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ، وكلّ ما وعده الله أو أوعد به في الآخرة فبيّنه وبيّن ما نشاهد من جنسه ما لا يقادر قدره وكأنه ما عندنا منه إلّا الأسامي والمسميات ثمة ، نعوذ بالله من سخطه
__________________
(١) الطبري من طرق عدة وألفاظ متقاربة.
(٢) الطبري عن علي : الأرض من فضة والجنة من ذهب.
(٣) غافر ، ٤٠ / ١٦.