(وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) (٤٥)
فقيل : قلب فلان هواء إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جراءة ، وقيل : جوف لا عقول لهم.
٤٤ ـ (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) أي يوم القيامة ، ويوم مفعول ثان لأنذر لا ظرف إذ الإنذار لا يكون في ذلك اليوم (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي الكفار (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) أي ردّنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحدّ من الزمان قريب نتدارك ما فرّطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك ، فيقال لهم (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) أي حلفتم في الدنيا أنكم إذا متم لا تزالون عن تلك الحالة ولا تنتقلون إلى دار أخرى ، يعني كفرتم بالبعث كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) (١) وما لكم جواب القسم ، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله أقسمتم ، ولو حكى لفظ المقسمين لقيل ما لنا من زوال ، أو أريد باليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل ، أو يوم موتهم معذّبين لشدة (٢) السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى ، فإنهم يسألون يومئذ أن يؤخرهم ربّهم إلى أجل قريب.
يقال سكن الدار وسكن فيها ، ومنه :
٤٥ ـ (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر لأنّ السّكنى من السكون وهو اللبث ، والأصل تعديته بفي نحو قرّ في الدار وأقام فيها ، ولكنه لما نقل إلى سكون خاص تصرّف به فقيل سكن الدار كما قيل تبوأها ، ويجوز أن يكون سكنوا من السكون أي قرّوا فيها واطمأنوا طيّبي النفوس سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد لا يحدّثونها بما لقي الأولون من أيام الله وكيف كان عاقبة ظلمهم فيعتبروا ويرتدعوا (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ) بالأخبار والمشاهدة ، وفاعل تبين مضمر دلّ عليه الكلام ، أي تبين لكم حالهم و (كَيْفَ) ليس بفاعل لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما
__________________
(١) النحل ، ١٦ / ٣٨.
(٢) في (ز) بشدة.