(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٩)
ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرّم ويعمّروه بذكرك وعبادتك (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) أفئدة من أفئدة الناس ، ومن للتبعيض لما روي عن مجاهد : لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند ، أو للابتداء كقولك القلب مني سقيم تريد قلبي ، فكأنه قيل أفئدة ناس ، ونكّر (١) المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة ، لأنها في الآية نكرة ، ليتناول بعض الأفئدة (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) تسرع إليهم من البلاد الشاسعة وتطير نحوهم شوقا (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) مع سكناهم واديا ما فيه شيء منها بأن تجلب إليهم من البلاد الشاسعة (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه شجر ولا ماء.
٣٨ ـ (رَبَّنا) النداء المكرر دليل التضرع واللجأ إلى الله (إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) تعلم السرّ كما تعلم العلن (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) من كلام الله عزوجل تصديقا لإبراهيم عليهالسلام ، أو من كلام إبراهيم ، ومن للاستغراق كأنه قيل وما يخفى على الله شيء ما.
٣٩ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) على بمعنى مع ، وهو في موضع الحال ، أي وهب لي وأنا كبير (إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) روي أنّ إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحاق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة ، وروي أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين وإسحاق لتسعين ، وإنما ذكر حال الكبر لأنّ المنّة بهبة الولد فيها أعظم ، لأنها حال وقوع اليأس من الولادة ، والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجلّ النّعم ، ولأنّ الولادة في تلك السن العالية كانت آية لإبراهيم (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) مجيب الدعاء ، من قولك سمع الملك كلام فلان إذا تلقاه بالإجابة والقبول ، ومنه سمع الله لمن حمده ، وكان قد دعا ربّه وسأله الولد ، فقال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (٢) فشكر الله ما أكرمه به من إجابته ، وإضافة السميع إلى الدعاء من إضافة الصفة إلى مفعولها ، وأصله لسميع الدعاء ، وقد ذكر سيبويه فعيلا في جملة أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل كقولك هذا رحيم أباه.
__________________
(١) في (ز) ونكرت.
(٢) الصافات ، ٣٧ / ١٠٠.