(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (١١٨)
١١٦ ـ (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ) فهلّا كان ، وهو موضوع للتحضيض ومخصوص بالفعل (أُولُوا بَقِيَّةٍ) أولوا فضل وخير ، وسمى الفضل والجود بقية لأنّ الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله ، فصار مثلا في الجودة والفضل ويقال : فلان من بقية القوم أي من خيارهم ، ومنه قولهم : في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) عجّب محمدا عليهالسلام وأمته أنه (١) لم يكن في الأمم التي ذكر الله إهلاكهم في هذه السورة جماعة من أولي العقل والدين ينهون غيرهم عن الكفر والمعاصي (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) استثناء منقطع ، أي ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي ، ومن في ممن أنجينا للبيان لا للتبعيض ، لأنّ النجاة للناهين وحدهم بدليل قوله : (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) (٢) (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي التاركون للنهي عن المنكر ، وهو عطف على مضمر أي إلّا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد ، واتبع الذين ظلموا شهواتهم فهو عطف على نهوا (ما أُتْرِفُوا فِيهِ) أي أتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والترفّه من حبّ الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيّ ورفضوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونبذوه وراء ظهورهم (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) اعتراض ، وحكم عليهم بأنهم قوم مجرمون.
١١٧ ـ (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى) اللام لتأكيد النفي (بِظُلْمٍ) حال من الفاعل ، أي لا يصح أن يهلك الله القرى ظالما لها (وَأَهْلُها) قوم (مُصْلِحُونَ) تنزيها لذاته عن الظلم ، وقيل الظلم الشرك ، أي لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون في المعاملات فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فسادا آخر.
١١٨ ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) أي متفقين على الإيمان والطاعات عن اختيار ولكن لم يشأ ذلك ، وقالت المعتزلة : هي مشيئة قسر ، وذلك
__________________
(١) في (ظ) و (ز) أن.
(٢) الأعراف ، ٧ / ١٦٥.