(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (٩٧)
٩٤ ـ (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) صاح بهم جبريل صيحة فهلكوا ، وإنما ذكر في آخر قصة عاد ومدين ولما جاء ، وفي آخر قصة ثمود ولوط فلما جاء لأنهما وقعا بعد ذكر الموعد وذلك قوله : إنّ موعدهم الصبح ، ذلك وعد غير مكذوب ، فجيء بالفاء الذي هو للتسبيب كقولك وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت وكيت ، وأما الأخريان فقد وقعتا مبتدأتين ، فكان حقهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما كما تعطف قصة على قصة (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) الجاثم اللازم لمكانه لا يريم ، يعني أنّ جبريل صاح بهم صيحة فزهق روح كلّ واحد منهم بحيث هو بغتة.
٩٥ ـ (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) كأن لم يقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ) البعد بمعنى البعد وهو الهلاك كالرّشد بمعنى الرّشد ألا ترى إلى قوله (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) وقرئ بعدت (١) والمعنى في البناءين واحد ، وهو نقيض القرب إلّا أنهم فرّقوا بين البعد من جهة الهلاك وبين غيره فغيروا البناء ، كما فرقوا بين ضماني الخير والشر فقالوا : وعد وأوعد.
٩٦ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) المراد به العصا لأنها أبهرها.
٩٧ ـ (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا) أي الملأ (أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) هو تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه (٢) على أمره وهو ضلال مبين ، وذلك أنه أدعى الألوهية وهو بشر مثلهم ، وجاهر بالظلم والشر الذى لا يأتي إلّا من شيطان ، ومثله بمعزل عن الإلهية (٣) ، وفيه أنهم عاينوا الآيات والسلطان المبين وعلموا أنّ مع موسى الرشد والحقّ ثم عدلوا عن اتّباعه إلى اتّباع من ليس في أمره رشد قط ، والمراد وما أمره بصالح حميد العاقبة ويكون قوله :
__________________
(١) في (ز) كما بعدت.
(٢) في (ز) تابعوه.
(٣) في (ز) الألوهية.