(وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) (٩١)
بها دونكم (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ) ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي وأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر (مَا اسْتَطَعْتُ) ظرف ، أي مدة استطاعتي للإصلاح وما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) وما كوني موفقا لإصابة الحقّ فيما آتي وأذر إلّا بمعونته وتأييده (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) اعتمدت (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أرجع في السراء والضراء.
جرم مثل كسب في تعديه إلى مفعول واحد وإلى مفعولين ومنه قوله :
٨٩ ـ (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ) أي لا يكسبنّكم خلافي إصابة العذاب (مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) وهو الغرق والريح والرجفة (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) في الزمان فهم أقرب الهالكين منكم ، أو في المكان فمنازلهم قريبة منكم ، أو فيما يستحق به الهلاك وهو الكفر والمساوئ. وسوّي في قريب وبعيد وقليل وكثير بين المذكر والمؤنث لورودها على زنة المصادر التي هي الصهيل والنهيق ونحوهما.
٩٠ ـ (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) يغفر لأهل الجفاء من المؤمنين (وَدُودٌ) يحبّ أهل الوفاء من الصالحين.
٩١ ـ (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) أي لا نفهم صحة ما تقول وإلّا فكيف لا ينفهم (١) كلامه وهو خطيب الأنبياء (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) لا قوة لك ولا عزّ فيما بيننا ، فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروها (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) ولو لا عشيرتك لقتلناك بالرجم وهو شرّ قتلة ، وكان رهطه من أهل ملتهم فلذلك أظهروا الميل إليهم والإكرام لهم (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) أي لا تعزّ علينا ولا تكرم حتى نكرمك من القتل ونرفعك عن الرجم ، وإنما يعزّ علينا رهطك لأنهم من أهل ديننا ، وقد دلّ إيلاء ضميره حرف النفي على أنّ الكلام واقع في الفاعل لا في
__________________
(١) في (ظ) نفهم وفي (ز) يفهم.