(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٨٨)
(خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بشرط أن تؤمنوا. نعم بقية الله خير للكفرة أيضا لأنهم يسلمون معها من تبعة البخس والتطفيف إلّا أنّ فائدتها تظهر مع الإيمان من حصول الثواب مع النجاة من العقاب ولا تظهر مع عدمه لانغماس صاحبها في غمرات الكفر ، وفي ذلك تعظيم للإيمان وتنبيه على جلالة شأنه ، أو المراد إن كنتم مصدّقين لي فيما أقول لكم وأنصح به إياكم (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) لنعمه عليكم ، فاحفظوها بترك البخس.
٨٧ ـ (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ) وبالتوحيد (١) كوفي غير أبي بكر (تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) كان شعيب عليهالسلام كثير الصلوات ، وكان قومه يقولون له ما تستفيد بهذا ، فكان يقول : إنها تأمر بالمحاسن وتنهى عن القبائح ، فقالوا على وجه الاستهزاء : أصلواتك تأمرك أن تأمرنا بترك عبادة ما كان يعبد آباؤنا ، أو أن نترك التبسط في أموالنا ما نشاء من إيفاء ونقص ، وجاز أن تكون الصلوات آمرة مجازا كما سماها الله تعالى ناهية مجازا (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي السفيه الضال ، وهذه تسمية على القلب استهزاء ، أو إنك حليم رشيد عندنا ولست تفعل بنا ما يقتضيه حالك.
٨٨ ـ (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ) من لدنه (رِزْقاً حَسَناً) يعني النبوة والرسالة ، أو مالا حلالا من غير بخس وتطفيف ، وجواب أرأيتم محذوف ، أي أخبروني إن كنت على حجة واضحة من ربّي وكنت نبيا على الحقيقة أيصح (٢) لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكفّ عن المعاصي ، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك. يقال خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه ، وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده ، ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفني إلى الماء ، يريد أنه قد ذهب إليه واردا ، وأنا ذاهب عنه صادرا ومنه قوله (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبدّ
__________________
(١) أي أصلاتك.
(٢) في (أ) ليصح.