(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩)
وكانوا في أول الأمر مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم في خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم ، فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم كما كان المسلمون على ذلك في أول الإسلام بمكة (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) في بيوتكم حتى تأمنوا (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) يا موسى ، ثنى الخطاب أولا ثم جمع ثم وحّد آخرا لأنّ اختيار مواضع العبادة مما يفوّض إلى الأنبياء ، ثم جمع لأنّ اتخاذ المساجد والصلاة فيها واجب على الجمهور ، ثم خصّ (١) موسى عليهالسلام بالبشارة تعظيما لها وللمبشّر بها.
٨٨ ـ (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) هي (٢) ما يتزين به من لباس أو حليّ أو فرش أو أثاث أو غير ذلك (وَأَمْوالاً) أي نقدا ونعما وضيعة (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) ليضلوا أي (٣) الناس عن طاعتك كوفي ، ولا وقف على الدنيا ، لأنّ قوله ليضلوا متعلق بآتيت وربّنا تكرار ، الأول للإلحاح في التضرع ، قال الشيخ أبو منصور رحمهالله : إذا علم منهم أنهم يضلّون الناس عن سبيله آتاهم ما آتاهم ليضلّوا عن سبيله ، وهو كقوله : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (٤) فتكون الآية حجة على المعتزلة (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) أي أهلكها وأذهب آثارها لأنهم يستعينون بنعمتك على معصيتك ، والطمس المحو والهلاك ، قيل صارت دراهمهم ودنانيرهم حجارة كهيئاتها منقوشة ، وقيل وسائر أموالهم كذلك (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) اطبع على قلوبهم واجعلها قاسية (فَلا يُؤْمِنُوا) جواب للدعاء (٥) الذي هو اشدد (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) إلى أن يروا العذاب الأليم ، وكان كذلك ، فإنهم لم يؤمنوا إلى الغرق ، وكان ذلك إيمان يأس فلم يقبل وإنما دعا عليهم بهذا لمّا أيس من إيمانهم وعلم بالوحي أنهم لا يؤمنون ، فأما قبل أن يعلم بأنهم لا يؤمنون فلا يسع له أن يدعو بهذا الدعاء لأنه أرسل إليهم ليدعوهم إلى الإيمان ، وهو يدلّ على أنّ الدعاء على الغير بالموت على الكفر لا يكون كفرا.
٨٩ ـ (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) قيل كان موسى عليهالسلام يدعو وهارون يؤمّن ،
__________________
(١) في (ز) وخص.
(٢) في (ز) هو.
(٣) ليست في (ظ) و (ز) ، وليضلوا بالفتح في مصحف النسفي وهي قراءة.
(٤) آل عمران ، ٣ / ١٧٨.
(٥) في (ظ) و (ز) جواب الدعاء.