(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١)
فثبت أنّ التأمين دعاء ، فكان إخفاؤه أولى ، والمعنى أن دعاءكما مستجاب وما طلبتما كائن ولكن في وقته (فَاسْتَقِيما) فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والتبليغ (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ولا تتبعان طريق الجهلة الذين لا يعلمون صدق الإجابة وحكمة الإمهال ، فقد كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة. ولا تتّبعان بتخفيف النون وكسرها لالتقاء الساكنين تشبيها بنون التثنية شامي ، وخطّأه بعضهم لأنّ النون الخفيفة واجبة السكون ، وقيل هو إخبار عما يكونان عليه وليس بنهي ، أو هو حال وتقديره فاستقيما غير متّبعين.
٩٠ ـ (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) هو دليل لنا على خلق الأفعال (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ) فلحقهم ، يقال تبعته حتى أتبعته (بَغْياً) تطاولا (وَعَدْواً) ظلما ، وانتصبا على الحال أو على المفعول له (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) ولا وقف عليه لأنّ (قالَ آمَنْتُ) جواب إذا (أَنَّهُ) (١) حمزة وعليّ على الاستئناف بدل من آمنت ، وبالفتح غيرهما على حذف الباء التي هي صلة الإيمان (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وفيه دليل على أنّ الإيمان والإسلام واحد حيث قال آمنت ثم قال وأنا من المسلمين ، كرر فرعون المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصا على القبول ، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته ، وكانت المرة الواحدة تكفي في حالة الاختيار.
٩١ ـ (آلْآنَ) أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك ، قيل قال ذلك حين ألجمه الغرق ، والعامل فيه أتؤمن (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) من الضّالين المضلّين عن الإيمان ، روي أنّ جبريل عليهالسلام أتاه بفتيا : ما قول الأمير في عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته فكفر نعمته وجحد حقّه وادعى السيادة دونه؟ فكتب فيه : يقول أبو العباس الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماءه أن يغرّق في البحر ، فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل عليهالسلام خطّه فعرفه.
__________________
(١) في مصحف النسفي : «إنه» بكسر الألف كوفي غير عاصم (الغاية في القراءات العشر ص ١٧٣).