وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٨٧)
(فِرْعَوْنَ) إلّا طائفة من ذراري بني إسرائيل ؛ كأنه قيل إلّا أولاد من أولاد قومه ، وذلك أنه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف ، أو الضمير في قومه لفرعون ، والذرية مؤمن آل فرعون وآسية امرأته وخازنه وامرأة خازنه وماشطته ، والضمير في (وَمَلَائِهِمْ) يرجع إلى فرعون بمعنى آل فرعون ، كما يقال ربيعة ومضر ، أو لأنه ذو أصحاب يأتمرون له ، أو إلى الذرية أي على خوف من فرعون وخوف من أشراف بني إسرائيل لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم ، دليله قوله (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) يريد أن يعذبهم فرعون (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ) لغالب فيها قاهر (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) في الظلم والفساد وفي الكبر والعتوّ بادعائه الربوبية.
٨٤ ـ (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) صدّقتم به وبآياته (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) فإليه أسندوا أمركم في العصمة من فرعون (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) شرط في التوكّل الإسلام ، وهو أن يسلموا نفوسهم لله ، أي يجعلوها له سالمة خالصة لا حظّ للشيطان فيها ، لأنّ التوكّل لا يكن مع التخليط.
٨٥ ـ (فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) إنما قالوا ذلك لأنّ القوم كانوا مخلصين ، لا جرم أنّ الله قبل توكّلهم وأجاب دعاءهم ونجاهم وأهلك من كانوا يخافونه وجعلهم خلفاء في أرضه ، فمن أراد أن يصلح للتوكل على ربّه فعليه برفض التخليط إلى الإخلاص (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) موضع فتنة لهم ، أي عذاب يعذبوننا ، أو يفتنوننا عن ديننا أي يضلوننا ، والفاتن المضلّ عن الحقّ.
٨٦ ـ (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي من تعذيبهم وتسخيرهم.
٨٧ ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) تبوأ المكان اتخذه مباءة ، كقوله توطّنه إذا اتخذه وطنا ، والمعنى اجعلا بمصر بيوتا من بيوته مباءة لقومكما ومرجعا يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أي مساجد متوجهة نحو القبلة ، وهي الكعبة ، وكان موسى ومن معه يصلون إلى الكعبة