(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠)
٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) لا يتوقعونه أصلا ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم عن التفطّن للحقائق ، أو لا يأملون حسن لقائنا كما يأمله (١) السعداء ، أو لا يخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) من الآخرة وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي (وَاطْمَأَنُّوا بِها) وسكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها ، فبنوا شديدا وأمّلوا بعيدا (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) لا يتفكرون فيها ، ولا وقف عليه لأنّ خبر إنّ :
٨ ـ (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ) فأولئك مبتدأ ، ومأواهم مبتدأ ثان ، والنار خبره ، والجملة خبر أولئك ، والباء في (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يتعلق بمحذوف دلّ عليه الكلام وهو جوزوا.
٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) يسدّدهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك الطريق السديد المؤدي إلى الثواب ، ولذا جعل (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) بيانا له وتفسيرا ، إذ التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها ، أو يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة ، ومنه الحديث : (إنّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة ، فيقول له : أنا عملك ، فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة ، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة ، فيقول له : أنا عملك ، فينطلق به حتى يدخله النار) (٢) وهذا دليل أنّ الإيمان المجرّد منج حيث قال بإيمانهم ولم يضم إليه العمل الصالح (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) متعلق بتجري ، أو حال من الأنهار.
١٠ ـ (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) أي دعاؤهم ، لأنّ اللهم نداء لله ومعناه اللهم إنا نسبّحك ، أي يدعون الله بقولهم سبحانك اللهم تلذّذا بذكره لا عبادة (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي يحيّي بعضهم بعضا بالسلام ، أو هي تحية الملائكة إياهم ، وأضيف
__________________
(١) في (ز) يؤملون .. يؤمله.
(٢) أخرجه الطبري عن قتادة.