(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٤٨)
أبو جهل وقال : حتى نقدم بدرا ، ونشرب بها الخمور ، وننحر الجزور ، وتعزف علينا القيان (١) ، ونطعم بها العرب ، فذلك بطرهم ورياؤهم الناس بإطعامهم ، فوافوها فسقوا كأس المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النوائح مكان القيان (٢) ، فنهاهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم وأن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله ، مخلصين أعمالهم لله ، والبطران يشغله سكر (٣) النّعمة عن شكرها (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دين الله (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) عالم ، وهو وعيد.
٤٨ ـ (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) واذكر إذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم التي عملوها في معاداة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ، غالب مبني نحو لا رجل ، ولكم في موضع رفع خبر لا. تقديره لا غالب كائن لكم (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أي مجير لكم ، أوهمهم أنّ طاعة الشيطان مما يجيرهم (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) فلما تلاقى الفريقان (نَكَصَ) الشيطان هاربا (عَلى عَقِبَيْهِ) أي رجع القهقرى (وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) أي رجعت عما ضمنت لكم من الأمان ، روي أنّ إبليس تمثّل لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم (٤) في جند من الشياطين ، معه راية ، فلما رأى الملائكة تنزل نكص فقال له الحارث بن هشام (٥) : أتخذلنا في هذه الحالة؟ فقال (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) أي الملائكة ، وانهزموا ، فلما بلغوا مكة قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم ، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان (إِنِّي أَخافُ اللهَ) أي عقوبته (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).
__________________
(١) القيان : جمع قينة وهي الأمة مغنية كانت أو غير مغنية.
(٢) في (ز) القيام وهو خطأ.
(٣) في (ز) تشغله كثرة النعمة.
(٤) سراقة بن مالك بن جعشم الكناني الشاعر ، ثم المدلجيّ. كان من أشراف بني كنانة (الطبري ٦ / ٢٦٤) روى عنه أخوه عبد الرحمن (الأنساب ٥ / ٢٣٢).
(٥) الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي ، أبو عبد الرحمن ، صحابي ، كان شريفا في الجاهلية والإسلام مات في طاعون عمواس ، وهو أخو أبي جهل (الأعلام ٢ / ١٥٨).