جانبه الذاتي ـ الموافق لنظام الطبيعة ـ كان وفق قضاء الله وقدره. وأمّا من
جوانب أخر ومنها مسائة العبد للموت ، فيمكن أن يكره ، فلا تنافي بين تلك الإرادة
ذاتيّا وهذه الكراهة الجانبيّة عرضا ..
وذكر أخيرا :
أنّه تعالى قد ينسب إلى نفسه ما لعبده من صفة أو عمل ، فيجعل رضاه رضاه وسخطه سخطه
فهو تعالى رضي بموت هذا العبد وفق قضائه المبرم ، لكنّه جعل كراهة عبده كراهة له
فقد رضي تعالى رضا ذاتيّا ، وكره لكراهة عبده المؤمن عرضيّا.
إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة
اصطلح أهل
الفنّ على تسمية إرادة الله المتعلّقة بتكوين شيء بالإرادة التكوينيّة ، وتسمية
طلبه لأمر بالإرادة التشريعيّة ، وهذا يشكّل طرفا من مباحث «الطلب والإرادة» في
علم الأصول.
فمن الأوّل
قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ
إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). (قُلْ مَنْ ذَا
الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ
رَحْمَةً) وهي إرادة لا مردّ لها كما قال تعالى : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً
فَلا مَرَدَّ لَهُ).
ومن الثاني قوله
تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) أي أراد بتشريعاته السهلة السمحة اليسر بكم في حياة
سعيدة ميسّرة ، لا الحياة الضنك التعيسة.
وهذه الإرادة
التشريعيّة تعلّقت بفعل المكلّفين عن اختيارهم (إِنَّا هَدَيْناهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً). أي أرشدناه إلى معالم السعادة في الحياة ، فإمّا
يترحّب بها ويعمل على هديها ، (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ
اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). أو يرفضها وينبذها وراء ظهره ويتّبع خطوات الشيطان
وبذلك يسلك سبيل الكفران ، كفران النعم ، ويكون مآله الضلال والخسران في نهاية
المطاف. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ).
__________________