وبعد ، يا ترى في هذه المجموعة من الآيات من النظم القائم ، المنسجم المترابط بعضها مع البعض ، كحلقات متواصلة ليس يفصلها شيء ولعلّها هكذا نزلن ، وإن تفرّقن في الثبت ، وعسى أن كانت هناك حكمة لاحظها التوقيف والتوظيف الأمر الذي لا ينثلم به صلب البحث ، بعد العلم بحقيقة الحال.
وبذلك يتبيّن أن لا نسخ هناك في شيء من الآيات ، حيثما لا حظناها مجموعة متراصّة متلائمة الأشلاء.
نعم جاء في روايات عن السلف ما لا يعاضد هذا الاتّجاه ، وقد فرضت أخيرة الآيات منسوخة بما سبقها من آيات.
[٢ / ٣٠٣٩] أخرج أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه والبيهقي في سننه عن ابن عبّاس قال : أوّل ما نسخ لنا من القرآن ـ فيما ذكر لنا والله أعلم ـ شأن القبلة ؛ قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) فاستقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلّى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ، ثمّ صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق ونسخها ؛ فقال : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ)(١) الآية (٢).
[٢ / ٣٠٤٠] وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) قال : كان الناس يصلّون قبل بيت المقدس ، فلمّا قدم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره ، وكان إذا صلّى رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به ، فنسختها قبل الكعبة. (٣)
[٢ / ٣٠٤١] وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن قتادة قال : هذه الآية منسوخة ، نسخها قوله
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٤٩.
(٢) الدرّ ١ : ٢٦٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢١٢ / ١١٢٣ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة ؛ البيهقي ٢ : ١٢ ، كتاب الصلاة ، باب استبيان الخطاء بعد الاجتهاد ؛ التبيان ٢ : ١٥ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٢٣ ، بلفظ : قال ابن عبّاس : أوّل ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة ؛ ابن كثير ١ : ١٦٢.
(٣) الدرّ ١ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦.