تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). (١)
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (٢)
وأخيرا فلا نتحاشا القول بأنّ الآيتين من سورة النساء ـ نزلتا ـ أوّلا ـ بشأن مطلق الفحشاء الشامل بعمومه للزنا وغيره من كبائر الإثم الفاحشة .. لكن نزل بخصوص أمر الزنا آية أخرى ، لغرض فرض الحدّ لمرتكبه ، حيث جاء في سورة النور متأخّرا.
غير أنّ هذا لا يعني نسخ عموم الحكم السابق ، وإنّما هو تخصيص لبعض جوانبه ، ومن ثمّ فإنّ عموم العامّ السابق ، باق على إحكامه من غير أن يعترضه نسخ.
على أنّ هذا العموم أيضا لم ينثلم وبقي ثابتا في شموله ، حتّى مع إجراء الحدّ على الزاني والزانية ، فللملامة والتوبيخ اللاذع ، بعد مجال ، وكذا الحؤول دون استهتار المرأة ـ حتّى بعد إجراء الحدّ عليها ـ فرض مؤكّد. إذن فلا موضع للنسخ في الآيتين.
***
وهكذا سائر الآيات ممّا قيل بنسخها ، وتعرّضنا لها بتفصيل وتفنيد مواضع النسخ فيها ، فيما عرضناه من قائمة المنسوخات ، في كتابنا التمهيد. (٣)
وبعد فإذ قد عرفت أن لا نسخ في القرآن بتاتا ، نسخا وفق مصطلح الخلف ، فما ورد عليك من أحاديث السلف بعروض النسخ لجملة من الآيات ، فاعرضها على منصّة التمحيص ؛ إنّها إمّا مؤوّلة حسب مصطلحة القديم وإمّا هو حديث مفترى يجب ردّه على قائله والعهدة عليه!!
وهنا ملحوظة يجب التنبّه لها ، وهي : أنّ أكثر تلكم الأحاديث ، فيها إلمامة إلى حسبان التحريف في القرآن ، إمّا سورة أو آية أو آيات (٤) ، الأمر الذي نتحاشاه ويتحاشاه كلام الحكيم ومن ثمّ فهي لا تعدو مزاعم حسبها أصحاب الأوهام لا يمكننا المصادقة عليها بتاتا.
والآن فإليك الأهمّ من تلك الأحاديث :
[٢ / ٢٩٥٨] أخرج ابن سعد وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود في ناسخه وابن الضريس وابن
__________________
(١) النور ٢٤ : ٢.
(٢) المائدة ٥ : ٣٨.
(٣) الجزء الثانى. وربما تتفاوتت نظرتنا في مختلف الطبعات. وكانت نظرتنا الحاسمة تتمثّل في الطبعات الأخيرة.
(٤) فنّدناها بتفصيل وتبيين في كتابنا «صيانة القرآن من التحريف» (الجزء الثامن من التمهيد).