فمن دسائسهم اللئيمة تلك تصرّفاتهم الغاشمة لخداع المسلمين ، ليرافقوهم في الاستهانة بموضع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي ستار خادع.
يتّجه الخطاب نحو الّذين آمنوا يناديهم بالصفة التي تميّزهم عن أولئك المراوغين ، والتي تربطهم بربّهم ونبيّهم ، والتي تستجيش في نفوسهم الاستجابة والتلبية :
فيدعوهم إلى ترك قولة قد تستغلها اليهود اللؤماء للاستهانة بموضع الرسول والاستهزاء بموقفه الكريم. ينهاهم أن يقولوا «راعنا» ـ من الرعاية لحال المخاطبين ـ ليرفق بهم في الكلام ويتريّث كى يسهل عليهم فهمه.
غير أنّ هذه اللفظة كان يستغلها اليهود فرصة لئيمة. فكانوا ينطقون بها مع شيء من تغيير اللهج بها لتصبح كلمة فحش في العبريّة ، فيسخرون من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في غوغاء عارم.
قال تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً). (١)
واللّيّ : الفتل. وأصله اللوي ، عن «لوى يلوى ليّا ولويا الشيء ، بمعنى : فتله وثنّاه والمراد ـ هنا ـ العطف باللسان لتحريف اللهج بالكلام.
[٢ / ٢٩٠١] قال ابن عبّاس : كان المسلمون يقولون للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : راعنا ، على جهة الطلب ، والرغبة ـ من المراعاة ـ أي التفت إلينا ، وكان هذا بلسان اليهود سبّا ، فاغتنموها ، وقالوا : كنّا نسبّه سرّا فالآن نسبّه جهرا. فكانوا يلهجون بها ويتضاحكون فيما بينهم ، فنهي المسلمون عن التلهّج بها وإبدالها بما يرادفها في المعنى ، تحذيرا من تواجد الفرصة لليهود فيستغلوها مسبّة عارمة. (٢)
قال الحسين بن عليّ المغربيّ (٣) : بحثت عن ذلك فوجدتهم يقولون : راع ، على وزان قال ـ فعلا
__________________
(١) النساء ٤ : ٤٦.
(٢) راجع : القرطبي ٢ : ٥٧.
(٣) هو الوزير الموفّق أبو القاسم المغربّي من شيوخ النجاشي. كان أديبا شاعرا فاضلا مترسّلا كثير الفنون ، حافظا وكبيرا من العلماء ، عالما بالحساب والجبر والهندسة. قال ابن أبي الحديد : وكان غاليا في تعصّبه لقحطان مع تشيّعه!