قال : هلمّ ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتّى لا يتفاوض بعضهم مع بعض فبدّدهم الربّ من هناك على وجه كلّ الأرض ، فكفّوا عن البنيان ، ولذلك دعي اسمها «بابل». لأن الربّ بلبل لسانهم وبدّدهم على وجه كلّ الأرض!!» (١)
وهذا يعني : إنّ بني الإنسان هم وحسب جبلّتهم ينزعون إلى التآلف والتفاهم ويرغبون في التجمّع والتوافق على وحدة اجتماعيّة شاملة في الحياة غير أنّه تعالى لموضع خشيته ـ وحاشاه ـ من توحّد بني الإنسان ، هو الذي بدّدهم وفرّق شملهم!!
الأمر الذي نتحاشاه وننزّه ساحة قدسه تعالى عن مثل هذه الخسائس والتي تعتور ذهنيّة اليهود العاثرة!!
ولكن ما بال المسلمين يغفلون رصيدهم الثريّ ويركضون وراء خزعبلات نسجتها إسرائيل نسج العنكبوت!!
وكلّ ما ذكروه هنا لا تعدو إملاءات أبناء القردة وعلى رأسهم كعب الأحبار.
***
وأمّا مدينة بابل فهي من أقدم مدن العالم ، وأصل الاسم ـ باللغة الكلدانيّة ـ «باب ايلو» أي باب الله. ويرادفه بالعبرانيّة : باب إيل وعرّب إلى بابل.
وهي بلدة كانت على ضفّتي الفرات ، بحيث كان يخترقها الفرات. يقرب موضعها من موقع بلد الحلّة الآن ، على بعد أميال من ملتقى الفرات ودجلة وعلى مسافة (٨٠ كم) جنوب شرقيّ بغداد.
وبابل كانت من أعظم مدن العالم القديم ، بناها أوّلا ـ فيما يقال ـ بقايا آل نوح بعد الطوفان. ثمّ توالى عليها اعتناء أصحاب الحضارة بمواطن العراق جيلا بعد جيل. ولكن اعتلاء عظمة بابل كان في حدود سنة ٣٧٥٥ ثلاثة آلاف وسبعمأة وخمس وخمسين قبل الميلاد فكانت إحدى عواصم أربعة لمملكة الكلدانيّين ، وهي أعظمها وأشهرها. ولم تزل همم ملوك الدولتين الكلدانيّة والآشوريّة متّجهة نحو عمارة هذا البلد وتنميقه ، فكان بلد العجائب من الأبنية والبساتين ومعهد الثقافة الآسويّة ومنبعث المعارف والعلوم والآداب وقد نسبوا إليها قديما الخمر المعتقة ، كما قال أبو الطيّب :
__________________
(١) العهد القديم : ١٧.