قال أبو جعفر الطبري : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا على أنّ هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل ، إذ زعموا أنّ جبريل عدوّ لهم وأنّ ميكائيل وليّ لهم. ثمّ اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك ، فقال بعضهم : إنّما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمر نبوّته.
[٢ / ٢٧٦٩] فعن شهر بن حوشب ، عن ابن عبّاس أنّه قال : حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : يا أبا القاسم حدّثنا عن خلال نسألك عنهنّ لا يعلمهنّ إلّا نبيّ! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سلوا عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدّثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعنّي على الإسلام». فقالوا : ذلك لك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سلوني عما شئتم!» فقالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهنّ! أخبرنا أيّ الطعام حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل ، وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبيّ الأميّ في النوم ومن وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعنّي!». فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق ، فقال : «نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه ، فنذر نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الطعام والشراب إليه وكان أحبّ الطعام إليه لحم الإبل؟» ـ قال أبو جعفر : فيما أرى : «وأحبّ الشراب إليه ألبانها» ـ فقالوا : اللهم نعم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أشهد الله عليكم وأنشدكم بالله الّذي لا إله إلّا هو ، الّذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أنّ ماء الرجل أبيض غليظ ، وأنّ ماء المرأة أصفر رقيق؟ فأيّهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله!» قالوا : اللهم نعم. قال : «اللهم اشهد. قال : وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أنّ هذا النبيّ الأمّي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟» قالوا : اللهمّ نعم. قال : «اللهم اشهد» قالوا : أنت الآن تحدّثنا ، من وليّك من الملائكة؟ فعندها نتابعك أو نفارقك! قال : فإنّ وليّي جبريل. ولم يبعث الله نبيّا قطّ إلّا وهو وليّه! قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليّك سواه من الملائكة تابعناك وصدّقناك!