هذا الغلام عمره يدركه (١) فما ذهب الليل والنهار حتّى بعث الله رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنّه لحيّ بين أظهرنا ، فآمنّا به وصدّقناه وكفر به [ذلك اليهودي] بغيا وحسدا. فقلنا له : يا فلان ، ألست الذي قلت ما قلت وأخبرتنا؟ قال : بلى ، وليس به! (٢)
[٢ / ٢٦٩٥] وروى عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن حريز عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى. يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) يعني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(٣) لأنّ الله ـ عزوجل ـ قد أنزل عليهم في التوراة والإنجيل والزبور صفة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجرته ، وهو قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ)(٤) فهذه صفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه ، فلمّا بعثه الله ـ عزوجل ـ عرفه أهل الكتاب كما قال ـ جلّ جلاله ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجيء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّها العرب ، هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة ، ويكون مهاجرته بمدينة ، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم ، في عينيه حمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، يلبس الشملة ، ويجتزي بالكسرة والتمرات ، ويركب الحمار العريّ ، وهو الضحوك القتّال ، يضع سيفه على عاتقه ، ولا يبالي من لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر ، لنقتلنّكم به يا معشر العرب قتل عاد ، فلمّا بعث الله نبيّه بهذه الصفة حسدوه
__________________
(١) استنفد ـ بالدال المهملة ـ : استوفى. أي يستوفي عمره ولم يفاجئه الأجل.
(٢) أخرج البيهقي في الدلائل ٢ : ٧٨ ـ ٧٩. ورواه ابن هشام في السيرة ١ : ٢٣١. والإمام أحمد في المسند ٣ : ٤٦٧. ونقله الصالحي في السيرة الشاميّة ١ : ١٣٥. وقال : رواه ابن إسحاق ، والبخاري في التاريخ ، وصحّحه الحاكم في المستدرك ٣ : ٤١٧ ـ ٤١٨. وابن حجر في مجمع الزوائد ٨ : ٢٣٠. وأخرجه السيوطي في الدرّ المنثور ١ : ٢١٧ ، قال : أخرجه أحمد وابن قانع والطبراني والحاكم وصحّحه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن سلمة وكان من أهل بدر ، قال : كان لنا جار يهوديّ في بني عبد الأشهل ، فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيسير ، حتّى وقف على مجلس بني الأشهل. قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيه سنّا ، عليّ بردة ، مضطجعا فيها بفناء أهلي .. وساق الحديث. ولفظ الحديث للبيهقي ، وعدّ لنا منه ألفاظا على سائر النسخ.
(٣) البقرة ٢ : ١٤٦. والأنعام ٦ : ٢٠.
(٤) الفتح ٤٨ : ٢٩.