البقر اشتقت إلى أهلي ، فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه طعامي وزادي ، حتّى إذا بلغت شطر الطريق أخذني وجع بطني ، فذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وتركني وأنا أطلبه ولست أقدر عليه ، فأنا أخشى على نفسي الهلاك وليس معي زاد ولا ماء ، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك فتبلغني مراعيّ وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين.
قال الفتى : إنّ بني آدم ليس بالذي يقتلهم اليقين وتهلكهم أنفسهم ، فلو علم الله منك اليقين لبلغك بغير زاد ولا ماء ، ولست براكب أمرا لم أؤمر به ، إنّما أنا عبد مأمور ولو علم سيّدي أنّي أعصيه في هذه البقرة لأهلكني وعاقبني عقوبة شديدة ، وما أنا بمؤثر هواك على هوى سيّدي ، فانطلق يا أيّها الرجل بسلام! فقال له إبليس : أعطيك بكلّ خطوة تخطوها إلى منزلي درهما فذلك مال عظيم وتفدي نفسي من الموت في هذه البقرة. قال الفتى : إنّ سيدي له ذهب الأرض وفضّتها ، فإن أعطيتني شيئا منها علم أنّه من ماله ، ولكن أعطني من ذهب السماء وفضّتها ، فأقول إنّه ليس هذا من مالك ؛ فقال إبليس : وهل في السماء ذهب أو فضّة ، أو هل يقدر أحد على هذا؟ قال الفتى : أو هل يستطيع العبد بما لم يأمر به سيّده كما لا تستطيع أنت ذهب السماء وفضّلتها.
قال له إبليس : أراك أعجز العبيد في أمرك. قال له الفتى : إنّ العاجز من عصى ربّه. قال له إبليس : مالي لا أرى معك زادا ولا ماء؟ قال الفتى : زادي التقوى ، وطعامي الحشيش ، وشرابي من عيون الجبال ، قال إبليس : ألا آمرك بأمر يرشدك؟ قال الفتى : مر به نفسك فإنّي على رشاد إن شاء الله. قال له إبليس : ما أراك تقبل نصيحة! قال له الفتى : الناصح لنفسه من أطاع سيّده وأدّى الحقّ الذي عليه ، فإن كنت شيطانا فأعوذ بالله منك ، وإن كنت آدميّا فاخرج فلا حاجة لي في صحابتك. فجمد إبليس عند ذلك ثلاث ساعات مكانه ، ولو ركبها له إبليس ما كان الفتى يقدر عليها ولكنّ الله حبسه عنها.
فبينما الفتى يمشي إذ طار طائر من بين يديه فاختلس البقرة ، ودعاها الفتى وقال : بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إلّا ما آتيتني ، فأتت البقرة إليه وقامت بين يديه ، فقالت : يا أيّها الفتى ألم تر إلى ذلك الطائر الذي طار من بين يديك؟ فإنّه إبليس عدوّ الله اختلسني ، فلمّا ناديتني بإله إسرائيل جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردّني إليك لبرّك بوالدتك وطاعتك إلهك ، فانطلق فلست ببارحتك حتّى تأتي أهلك إن شاء الله.