فأزالوها عنه حتى أدخلوها في الإصطبلات ، فقال هو ، لمّا فرغ من صلاته : إني أحببت حبّ الخير ، أي : الذي عند الله في الآخرة ؛ بسبب ذكر ربّي ، كأنه يقول : فشغلني ذلك عن رؤية الخيل ، حتى أدخلت إصطبلاتها ، ردّوها عليّ ، فطفق يمسح أعرافها وسوقها ، تكرمة لها ، أي : لأنّها معدّة للجهاد ، وهذا هو الراجح عند الفخر (١) ، قال : ولو كان معنى مسح السّوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة : ٦] قطعها* ت* : وهذا لا يلزم للقرينة في الموضعين ، ا ه. قال أبو حيّان (٢) : و (حُبَّ الْخَيْرِ) قال الفراء : مفعول به ، و (أَحْبَبْتُ) مضمّن معنى آثرت ، وقيل : منصوب على المصدر التّشبيهي ، أي : حبّا مثل حبّ الخير ، انتهى.
وقوله تعالى : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) «عن» على كلّ تأويل هنا للمجاوزة من شيء إلى شيء ، وتدبّره فإنه مطّرد.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)(٣٥)
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ ...) الآية ، * ت* : اعلم ـ رحمك الله ـ أن الناس قد أكثروا في قصص هذه الآية بما لا يوقف على صحّته ، وحكى الثعلبي في بعض الروايات ؛ أنّ سليمان* ع* لما فتن ، سقط الخاتم من يده ، وكان فيه ملكه ، فأعاده إلى يده ، فسقط ؛ وأيقن بالفتنة ، وأنّ آصف بن برخيّا قال له : يا نبيّ الله ، إنّك مفتون ؛ ولذلك / لا يتماسك الخاتم في يدك أربعة عشر يوما ؛ ففرّ إلى الله تعالى تائبا من ذنبك ، وأنا أقوم مقامك في عالمك إن شاء الله تعالى إلى أن يتوب الله تعالى عليك ، ففرّ سليمان هاربا إلى ربّه منفردا لعبادته ، وأخذ آصف الخاتم ، فوضعه في يده ، فثبت ، وقيل : إن الجسد الّذي قال الله تعالى : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) هو آصف كاتب سليمان ، وهو الذي عنده علم من الكتاب ، وأقام آصف في ملك سليمان وعياله يسير بسيرته الحسنة ، ويعمل بعمله أربعة عشر يوما إلى أن رجع سليمان إلى منزله تائبا إلى الله تعالى ، وردّ الله تعالى عليه ملكه ، فأقام آصف عن مجلسه ، وجلس سليمان على كرسيّه ، وأعاد الخاتم ، وقال سعيد بن المسيّب : إن سليمان بن داود ـ عليهماالسلام ـ احتجب عن الناس ثلاثة أيّام ، فأوحى الله إليه : أن يا سليمان ، احتجبت عن الناس ثلاثة أيّام ، فلم
__________________
(١) ينظر : «تفسير الفخر الرازي» (٢٦ / ١٧٩)
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٣٨٠)