(فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ)(١٦)
وقوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) الآية ، قوله «فلا» هو عند الجمهور تحضيض بمعنى : ألا اقتحم ، والعقبة في هذه الآية على عرف كلام العرب استعارة لهذا العمل الشاقّ على النفس ، من حيث هو بذل مال ، تشبيه بعقبة الجبل ، و (اقْتَحَمَ) : معناه : دخلها وجاوزها بسرعة وضغط وشدة ، ثم عظّم تعالى أمر العقبة في النفوس بقوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) ثمّ فسر اقتحام العقبة بقوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ) الآية ، وهذا على قراءة من قرأ : (فَكُّ رَقَبَةٍ) بالرفع على المصدر وأما من قرأ : «فكّ رقبة أو أطعم» على الفعل ، ونصب الرقبة ، وهي قراءة أبي عمرو (١) ، فليس يحتاج أن يقدّر : وما أدراك ما اقتحام بل يكون التعظيم للعقبة نفسها ويجيء (فَكُ) بدلا من (اقْتَحَمَ) ومبيّنا له ، وفكّ الرقبة هو عتقها من ربقة الأسر أو الرقّ ، وفي الحديث / عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أعتق نسمة مؤمنة أعتق الله بكلّ عضو منها عضوا منه من النار» (٢) ، والمسغبة : الجماعة ، والساغب : الجائع و (ذا مَقْرَبَةٍ) : معناه : ذا قرابة ؛ لتجتمع الصدقة والصلة ، و (ذا مَتْرَبَةٍ) : معناه : مدقعا قد لصق بالتراب وهذا ينحو إلى أنّ المسكين أشدّ فاقة من الفقير ، قال سفيان : هم المطروحون على ظهر الطريق قعودا على التراب لا بيوت لهم (٣) ، وقال ابن عبّاس : هو الذي يخرج من بيته ثم يقلب وجهه إلى بيته مستيقنا أنه ليس فيه إلا التراب (٤).
(ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ)(٢٠)
وقوله تعالى : (ثُمَّ كانَ) معطوف على قوله : (اقْتَحَمَ) والمعنى : ثم كان وقت اقتحامه العقبة من الذين آمنوا.
__________________
(١) وهي قراءة ابن كثير والكسائيّ.
ينظر : «السبعة» (٦٨٦) ، و «الحجة» (٦ / ٤١٣) ، و «معاني القراءات» (٣ / ١٤٧) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ١١٤) ، و «العنوان» (٢١٠) ، و «حجة القراءات» (٧٦) ، و «شرح شعلة» (٦٢٤) ، و «إتحاف» (٢ / ٦١٠)
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٥٩٦) ، (٣٧٣٤٤) عن ابن عبّاس ، وذكره ابن عطية (٥ / ٤٨٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٩٧) ، وعزاه للفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٥٩٦) ، (٣٧٣٤٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٤٨٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٩٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.