وقال : مقاتل : نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل ؛ أذنب فاستفتى النبي صلىاللهعليهوسلم فأمره بالكفّارة ، فقال : لقد أهلكت مالا في الكفارات والنفقات ، مذ تبعت محمّدا ، وكان كلّ واحد منهم قد ادّعى أنّه أنفق مالا كثيرا على إفساد أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم أو في الكفّارات على ما تقدّم.
وقوله : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أي : أنفقت مالا كثيرا ، ومن قال : أن المراد اسم الجنس غير معين ، جعل قوله : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) بمعنى : أيظنّ الإنسان أن ليس عليه حفظة يرون أعماله ويحصونها ؛ إلى يوم الجزاء ، قال السهيلي : وهذه الآية وإن نزلت في أبي الأشد فإن الألف واللام في الإنسان للجنس ، فيشترك معه في الخطاب كلّ من ظن ظنه وفعل مثل فعله / وعلى هذا أكثر القرآن ، ينزل في السّبب الخاصّ بلفظ عام يتناول المعنى العام انتهى ، وخرّج مسلم عن أبي برزة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن علمه ماذا عمل به ، وعن ماله ، من أين اكتسبه وفيم أنفقه» (١) ، وخرّجه أيضا الترمذيّ وقال فيه : حديث حسن صحيح (٢) ، انتهى ، وقرأ الجمهور (٣) : (لُبَداً) أي : كثيرا متلبّدا بعضه فوق بعض ، ثم عدّد تعالى على الإنسان نعمه في جوارحه ، و (النَّجْدَيْنِ) : قال ابن عبّاس والناس : هما طريقا الخير والشرّ ، أي : عرضنا عليه طريقهما ، وليست الهداية هنا بمعنى الإرشاد (٤) ، وقال الضحاك : النّجدان ثديا الأمّ ، وهذا مثال ، والنجد : الطريق المرتفع (٥).
__________________
(١) أخرجه الدارمي في «سننه» (١ / ١٣٥) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ٢٨٦) (١٧٨٥).
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠ / ٣٤٩) : رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجال الطبراني رجال الصحيح» غير صامت بن معاذ ، وعدي بن عدي الكندي وهما ثقتان.
(٢) أخرجه الترمذي (٤ / ٦١٢) ، كتاب «صفة القيامة» باب : في القيامة (٢٤١٦) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ٢٧٦) ، (١٧٨٤) ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم إلا من حديث الحسين بن قيس ، وحسين بن قيس يضعف في الحديث من قبل حفظه.
وفي الباب عن أبي برزة رضي الله عنه : أخرجه الترمذي (٤ / ٦١٢) ، كتاب «صفة القيامة» باب : في القيامة (٢٤١٧) ، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (١٠ / ٢٣٢) ، وأبو يعلى (١٣ / ٤٢٨) ، (٧٤٣٤)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٨٤) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٤٧٠) ، و «الدر المصون» (٦ / ٥٢٥)
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٥٩١) ، (٣٧٢٩٣) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٤٨٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٥١٢) بنحوه.
(٥) أخرجه الطبري (١٢ / ٥٩١) (٣٧٣٠٧) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٨٩) ، وابن عطية (٥ / ٤٨٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٩٥) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عبّاس رضي الله عنه.