ثم توعدّهم ـ سبحانه ـ بقوله : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أي : لو ذاقوه ، لتحقّقوا أنّ هذه الرسالة [حقّ].
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ)(١٤)
وقوله تعالى : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ...) الآية ، عبارة الثعلبيّ : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) يعني : مفاتيح النبوّة حتى يعطوا من اختاروا ، نظيرها (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢].
قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) يعني : أنّ ذلك لله تعالى ؛ يصطفي من يشاء (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) فليصعدوا فيما يوصّلهم إلى السموات ، فليأتوا منها بالوحي إلى من يختارون ، وهذا أمر توبيخ وتعجيز ، انتهى ، ونحوه كلام* ع (١) *.
ثم وعد الله نبيّه النصر ، فقال : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ) أي : مغلوب ممنوع من الصعود إلى السماء ، (مِنَ الْأَحْزابِ) أي : من جملة الأحزاب ، قال* ع (٢) * : وهذا تأويل قويّ ، وقالت فرقة : الإشارة ب (هُنالِكَ) إلى حماية الأصنام وعضدها ، أي : هؤلاء القوم جند مهزوم في هذه السبيل ، وقال مجاهد : الإشارة ب «هنالك» إلى يوم بدر (٣) ، وهي من الأمور المغيّبة أخبر بها عليهالسلام.
«وما» في قوله : (جُنْدٌ ما) زائدة مؤكّدة ، وفيها تخصيص ، وباقي الآية بيّن.
وقال أبو حيّان (٤) (جُنْدٌ) خبر مبتدإ محذوف ، أي : هم جند وما زائدة أو صفة أريد بها التعظيم على سبيل الهزء بهم / أو الاستخفاف ؛ لأن الصفة تستعمل على هذين المعنيين ، و (هُنالِكَ) ظرف مكان يشار به إلى البعيد ، في موضع صفة ل (جُنْدٌ) ، أي : كائن هنالك ، أو متعلّق ب (مَهْزُومٌ) ، انتهى.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٩٥)
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٥٥) برقم : (٢٩٧٦٦) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٤٩) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٩٥) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٥٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٤) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٣٧٠)