(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ)(٨)
قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ / امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ ...) الآية ، روي في قصص هذه الآية ، أنّ أشراف قريش اجتمعوا عند مرض أبي طالب ، وقالوا : إن من القبيح علينا أن يموت أبو طالب ، ونؤذي محمّدا بعده ، فتقول العرب : تركوه مدّة عمّه ، فلمّا مات آذوه ، ولكن لنذهب إلى أبي طالب فينصفنا منه ويربط بيننا وبينه ربطا ، فنهضوا إليه ، فقالوا : يا أبا طالب : إن محمّدا يسبّ آلهتنا ، ويسفّه آراءنا ، ونحن لا نقارّه على ذلك ، ولكن افصل بيننا وبينه في حياتك بأن يقيم في منزله يعبد ربّه الذي يزعم ويدع آلهتنا وسبّها ، ولا يعرض لأحد منا بشيء من هذا ، فبعث أبو طالب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمّد ، إن قومك قد دعوك إلى النصفة ، وهي أن تدعهم وتعبد ربّك وحدك ، فقال : أو غير ذلك يا عمّ؟ قال : وما هو؟ قال : يعطونني كلمة تدين لهم بها العرب ، وتؤدّي إليهم الجزية بها العجم ، قالوا : وما هي؟! فإنّا نبادر إليها! قال : «لا إله إلّا الله» ؛ فنفروا عند ذلك ، وقالوا : ما يرضيك منّا غير هذا؟ قال : «والله ، لو أعطيتموني الأرض ذهبا ومالا» (١) وفي رواية «لو جعلتم الشمس في يميني والقمر في شمالي ما أرضى منكم غيرها» فقاموا عند ذلك ، وبعضهم يقول لبعض : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) ، ويردّدون هذا المعنى ، وعقبة بن أبي معيط يقول : (امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) ، فقوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ) عبارة عن خروجهم عن أبي طالب وانطلاقهم من ذلك الجمع ، هذا قول جماعة من المفسّرين.
وقوله تعالى : (أَنِ امْشُوا) نقل الإمام الفخر (٢) أنّ «أن» بمعنى : «أي» ، انتهى ، وقولهم : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) يريدون ظهور محمّد وعلوّه ، أي : يراد منّا الانقياد له ، وأن نكون له أتباعا ، ويريدون بالملّة الآخرة ملّة عيسى ، قاله ابن عبّاس ، وغيره (٣) ؛ وذلك أنها ملّة شهر فيها التثليث.
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٠ / ٥٥٣) برقم : (٢٩٧٥٠) وعن السدي برقم : (٢٩٧٥١) ، وعن ابن عبّاس مختصرا ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٢٩٦). ط ـ دار المعرفة ، وعزاه إلى ابن مردويه.
(٢) ينظر : «تفسير الرازي» (٢٦ / ١٥٦)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٥٢) برقم : (٢٩٧٤٢) عن ابن عبّاس ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٤٩) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٩٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٨) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٥٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد.