قال* ع (١) * : وعندي : أنّ اليقين صحّة ما كانوا يكذبون به من الرجوع إلى الله والدار الآخرة ، وقد تقدم ذكر أحاديث الشفاعة ؛ قال الفخر (٢) : واحتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الكفار يعذّبون بترك فروع الشريعة ، والاستقصاء فيه قد ذكرناه في المحصول ، انتهى.
(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)(٥٦)
وقوله تعالى في صفة الكفار / المعرضين : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) إثبات لجهلهم ؛ لأنّ الحمر من جاهل الحيوان جدّا ، وفي حرف ابن مسعود (٣) : «حمر نافرة» قال ابن عبّاس وأبو هريرة وجمهور من اللغويين : القسورة : الأسد (٤) ، وقيل غير هذا ، (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) أي : من هؤلاء (أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) أي : يريد كلّ إنسان منهم أن ينزل عليه كتاب من الله ، ومنشرة ، أي : منشورة غير مطوية.
وقوله : (كَلَّا) ردّ على إرادتهم ، أي : ليس الأمر كذلك ، ثم قال : (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) المعنى : هذه هي العلة والسبب في إعراضهم ، فكان جهلهم بالآخرة سبب امتناعهم من الهدى حتى هلكوا ، ثم أعاد تعالى الرد والزجر بقوله : (كَلَّا) وأخبر أنّ هذا القول والبيان وهذه المحاورة بجملتها (تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ) : ووفقه الله لذلك ، ذكر معاده ؛ فعمل له ، ثم أخبر سبحانه أنّ ذكر الإنسان معاده وجريه إلى فلاحه ؛ إنّما هو كله بمشيئة الله تعالى ، وليس يكون شيء إلّا بها ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن كثير : «يذكرون» بالياء من تحت (٥).
وقوله سبحانه : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) خبر جزم معناه : أنّ الله عزوجل
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٩٩)
(٢) ينظر : «الفخر الرازي» (٣٠ / ١٨٦)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٩٩)
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٣٢٢) ، رقم : (٣٥٥١٢ ، ٣٥٥١٥) ، وذكره البغوي (٤ / ٤١٩) عن أبي هريرة فقط ، وابن عطية (٥ / ٣٩٩) ، وابن كثير (٤ / ٤٢٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٦١) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عبّاس ولعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن أبي هريرة.
(٥) ينظر : «إعراب القراءات» (٢ / ٤١٣) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٠٤) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٨٠) ، و «العنوان» (١٩٩) ، و «شرح شعلة» (٦١٣) ، و «حجة القراءات» (٦٣٥) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٧٢)