قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(١٤)
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ...) الآية : قال جمهور العلماء : أراد من يجيء من التابعين وغيرهم إلى يوم القيامة ، وقال الفرّاء : أراد الفرقة الثالثة من الصحابة ، وهي من آمن في آخر مدّة النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (يَقُولُونَ) : حال فيها الفائدة ، والمعنى : والذين جاؤوا قائلين كذا ، وروت أمّ الدرداء ، وأبو الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه كان يقول : «دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكّل ، كلّما دعا لأخيه قال الملك الموكّل به : آمين ، ولك مثله» (١) رواه مسلم ، انتهى ، قال* ع (٢) * : ولهذه الآية قال مالك وغيره : إنّه من كان له في أحد من / الصحابة رأي سوء أو بغض ، فلا حظّ له في فيء المسلمين ، وقال عبد الله بن يزيد : قال الحسن : أدركت ثلاثمائة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم منهم سبعون بدريّا كلّهم يحدثني أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من فارق الجماعة قيد شبر ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (٣) فالجماعة ألّا تسبّوا الصحابة ، ولا تماروا في دين الله ، ولا تكفّروا أحدا من أهل التوحيد بذنب ، قال عبد الله : فلقيت أبا أمامة وأبا الدرداء وواثلة وأنسا ، فكلّهم يحدثني عن النبي صلىاللهعليهوسلم بمثل حديث الحسن ، والغلّ : الحقد والاعتقاد الرديء.
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ ...) الآية : نزلت في عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، ورفاعة بن التابوت وقوم من منافقي الأنصار ؛ كانوا بعثوا إلى بني النضير ، وقالوا لهم : اثبتوا في معاقلكم ، فإنّا معكم كيفما تقلبت حالكم ، وكانوا في ذلك كاذبين ، وإنّما أرادوا بذلك أن تقوى نفوسهم ؛ عسى أن يثبتوا حتّى لا يقدر النبي صلىاللهعليهوسلم عليهم ، فيتمّ مرادهم ، وجاءت الأفعال غير مجزومة في قوله : (لا يَخْرُجُونَ) و (لا يَنْصُرُونَهُمْ) ؛ لأنّها راجعة إلى حكم القسم ، لا إلى حكم الشرط ، والضمير في
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٩٥) كتاب : الذكر والدعاء ، باب : فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب (٨٦ ، ٨٧ / ٢٧٣٢) ، (٨٨ / ٢٧٣٣) ، (٢٧٣٢ / مكرر) ، وابن ماجه (٢ / ٩٦٦ ، ٩٧٧) كتاب : المناسك ، باب فضل دعاء الحاج (٢٨٩٥)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٨٨)
(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٥٥) ، كتاب «السنة» باب : الخوارج (٤٧٥٨)