قال : (السَّابِقُونَ) الثاني صفة ، و (الْمُقَرَّبُونَ) : معناه : من الله سبحانه في جنّة عدن ، فالسابقون معناه : الذين قد سبقت لهم السعادة ، وكانت أعمالهم في الدنيا سبقا إلى أعمال البرّ وإلى ترك المعاصي ، فهذا عموم في جميع الناس ، وخصّص المفسرون في هذه أشياء تفتقر إلى سند قاطع ، وروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم سئل عن السّابقين؟ فقال : «هم الّذين إذا أعطوا الحقّ قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للنّاس بحكمهم لأنفسهم» والمقربون عبارة عن أعلى منازل البشر في الآخرة ، قال جماعة من أهل العلم : هذه الآية متضمنة أنّ العالم يوم القيامة على ثلاثة أصناف.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً)(٢٥)
وقوله سبحانه : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ / مِنَ الْآخِرِينَ) الثلّة : الجماعة ، قال الحسن بن أبي الحسن وغيره (١) : المراد : السابقون من الأمم والسابقون من هذه الأمّة ، وروي أنّ الصحابة حزنوا لقلّة سابقي هذه الأمّة على هذا التأويل ، فنزلت الآية : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [الواقعة : ٣٩ ـ ٤٠] فرضوا ، وروي عن عائشة (٢) أنّها تأوّلت : أنّ الفرقتين في أمّة كلّ نبيّ هي في الصدر ثلة وفي آخر الأمّة قليل ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيما روي عنه : «الفرقتان في أمّتي ، فسابق أوّل الأمّة ثلّة ، وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل» قال السهيليّ : وأمّا آخر من يدخل الجنة ، وهو آخر أهل النار خروجا منها ، فرجل اسمه جهينة ، فيقول أهل الجنة : تعالوا نسأله فعند جهينة الخبر اليقين ، فيسألونه : هل بقي في النار أحد بعدك ممّن يقول : لا إله إلا الله؟ وهذا حديث ذكره الدّارقطني من طريق مالك بن أنس ، يرفعه بإسناد إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذكره في كتاب رواة مالك بن أنس ـ رحمهالله (٣) ـ ، انتهى.
وقوله تعالى : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي : منسوجة بتركيب بعض أجزائها على
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٦٢٦) برقم : (٣٣٢٧٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٨٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢١٧) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن جرير.
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٤١)
(٣) قال الشوكاني في «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» (٥١١) (١٢٨) : قال في «الذيل» : هذا حديث باطل.