نزلت في الوليد بن المغيرة المخزوميّ ؛ وذلك أنّه سمع قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم ووعظه فقرب من الإسلام ، وطمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في إسلامه ، ثم إنّه عاتبه رجل من المشركين ، وقال له : أتترك ملّة آبائك؟! ارجع إلى دينك ، واثبت عليه ، وأنا أتحمّل لك بكلّ شيء تخافه في الآخرة ، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال ، فوافقه الوليد على ذلك ، ورجع عمّا همّ به من الإسلام ، وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ، ثم أمسك عنه وشحّ ، فنزلت الآية فيه ، وقال السّدّيّ (١) : نزلت في العاصي بن وائل ؛ قال* ع (٢) * : فقوله : (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) على هذا ـ هو في المال ، وقال مقاتل (٣) في كتاب الثعلبيّ : المعنى : أعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ، ثم (أَكْدى) ، أي : انقطع ما أعطى ، وهذا بيّن من اللفظ ، والآخر يحتاج إلى رواية ، و (تَوَلَّى) معناه : أدبر وأعرض عن أمر الله ، و (أَكْدى) معناه : انقطع عطاؤه ، وهو مشبه بالذي / يحفر في الأرض ؛ فإنّه إذا انتهى في حفر بئر ونحوه إلى كدية ، وهي ما صلب من الأرض ـ يئس من الماء ، وانقطع حفره ، وكذلك أجبل إذا انتهى في الحفر إلى جبل ، ثم قيل لمن انقطع : عمله أكدى وأجبل.
* ت* : قال الثعلبيّ : وأصله من الكدية ، وهو حجر في البئر يؤيس من الماء ؛ قال الكسائيّ : تقول العرب : أكدى الحافر وأجبل : إذا بلغ في الحفر إلى الكدية والجبل ، انتهى.
وقوله عزوجل : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) معناه : أعلم من الغيب أنّ من تحمّل ذنوب آخر انتفع بذلك المتحمّل عنه ؛ فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وله فيه بصيرة؟! أم هو جاهل ، لم ينبّأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفّى بما أرسل به ، من أنّه لا تزر وازرة ، أي : لا تحمل حاملة حمل أخرى ؛ وفي البخاري (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) : وفّى ما فرض عليه (٤) ، انتهى.
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى)(٤١)
وقوله سبحانه : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وما بعده ، كل ذلك معطوف على قوله : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) والجمهور أنّ قوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)
__________________
(١) ذكره البغوي (٤ / ٢٥٣) ، وابن عطية (٥ / ٢٠٥)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٠٥)
(٣) ذكره البغوي (٤ / ٢٥٣) ، وابن عطية (٥ / ٢٠٥)
(٤) ينظر : «صحيح البخاري» (٨ / ٤٦٩) ، كتاب «التفسير» باب : سورة النجم.