المعاصي ، وعلى هذا أنشدوا ، وقد تمثّل به النبي صلىاللهعليهوسلم : [الرجز]
إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا |
|
وأيّ عبد لك لا ألمّا (١) |
وقوله سبحانه : (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يريد : خلق أبيهم آدم ، ويحتمل أن يراد به إنشاء الغذاء ، وأجنّة : جمع جنين.
وقوله سبحانه : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) ظاهره النهي عن تزكية الإنسان نفسه ، ويحتمل أن يكون نهيا عن أن يزكّي بعض الناس بعضا ، وإذا كان هذا ، فإنّما ينهى عن تزكية السمعة والمدح للدنيا أو القطع بالتزكية ، وأمّا تزكية الإمام والقدوة أحدا ليؤتمّ به أو ليتهمم الناس بالخير ، فجائز ، وفي الباب أحاديث صحيحة ، وباقي الآية بيّن.
* ت* : قال صاحب «الكلم الفارقيّة» : أعرف الناس بنفسه أشدّهم إيقاعا للتهمة بها في كلّ ما يبدو ويظهر له منها ، وأجهلهم بمعرفتها وخفايا آفاتها وكوامن مكرها من زكّاها ، وأحسن ظنّه بها ؛ لأنّها مقبلة على عاجل حظوظها ، معرضة عن الاستعداد لآخرتها ، انتهى ، وقال ابن عطاء الله : أصل كلّ معصية وغفلة ـ وشهوة / ـ الرضا عن النفس ، وأصل كلّ طاعة ، ويقظة ، وعفّة ـ عدم الرضا منك عنها ؛ قال شارحه ابن عبّاد : الرضا عن النفس : أصل جميع الصفات المذمومة ، وعدم الرضا عنها أصل الصفات المحمودة ، وقد اتّفق على هذا جميع العارفين وأرباب القلوب ؛ وذلك لأنّ الرضا عن النفس يوجب تغطية عيوبها ومساويها ، وعدم الرضا عنها على عكس هذا ؛ كما قيل : [الطويل]
وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة |
|
ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا |
انتهى.
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٣٨)
وقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ...) الآية ، قال مجاهد ، وابن زيد ، وغيرهما (٢) :
__________________
(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٤٦٩) ، والترمذي (٥ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة النجم (٣٢٨٤).
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق.
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٥٣٠) عن مجاهد برقم : (٣٢٥٩٥) وعن زيد ابن زيد برقم : (٣٢٥٩٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٠٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٦٨) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.