تحاجّت الجنّة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين ، وقالت الجنّة : ما لي ، لا يدخلني إلّا ضعفاء الناس وسقطهم؟! فقال الله للجنّة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنّار : إنّما أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي ، ولكلّ واحدة منهما ملؤها ، فأمّا النار فلا تمتلىء حتّى يضع [الجبّار فيها قدمه] (١) فتقول : قط قط ، فهناك تمتلىء ويزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله عزوجل من خلقه أحدا ، وأمّا الجنّة فإنّ الله ينشىء لها خلقا» (٢) انتهى ، قال* ع (٣) * : ومعنى : «قدمه» ما قدّم لها من خلقه وجعلهم في علمه ساكنيها ؛ ومنه : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [يونس : ٢] وملاك النظر في هذه الحديث أنّ الجارحة ، والتشبيه ، وما جرى مجراه ـ منتف كلّ ذلك عن الله سبحانه ، فلم يبق إلّا إخراج اللفظ على الوجوه السائغة في كلام العرب.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) معناه : قرّبت ، ولما احتمل أن يكون معناه بالوعد والإخبار رفع الاحتمال بقوله : (غَيْرَ بَعِيدٍ) قال أبو حيان (٤) : (غَيْرَ بَعِيدٍ) أي : مكانا غير بعيد ؛ فهو منصوب على الظرف ، وقيل : منصوب / على الحال من الجنة ، انتهى.
(هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(٣٧)
وقوله سبحانه : (هذا ما تُوعَدُونَ) يحتمل أن يكون معناه : يقال لهم في الآخرة عند إزلاف الجنة : هذا الذي كنتم توعدون به في الدنيا ، ويحتمل أن يكون خطابا للأمّة ؛ أي : هذا ما توعدون أيّها الناس (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) : والأوّاب : الرّجّاع إلى الطاعة وإلى مراشد
__________________
(٢٥٥١) عن أنس بن مالك نحوه.
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(١) سقط في : د.
(٢) أخرجه البخاري (٨ / ٤٦٠) كتاب «التفسير» باب : وتقول هل من مزيد (٤٨٥٠) ، ومسلم (٤ / ٢١٨٦ ـ ٢١٨٧) كتاب «الجنة وصفة نعيمها» باب : النار يدخلها الجبارون ، والجنة يدخلها الضعفاء (٣٥ ـ ٣٦ / ٢٨٤٦) ، (٢٨٤٧) نحوه ، والنسائي (٤ / ٤١٤ ـ ٤١٥) كتاب «النعوت» باب : قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ، (٧٧٤٠ / ٨) ، وابن حبان (١٦ / ٤٨٢) كتاب «إخباره صلىاللهعليهوسلم عن مناقب الصحابة» باب : وصف الجنة وأهلها (٧٤٤٧)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٦٥)
(٤) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ١٢٦)