لنبيّه حالهم في القيامة عند رؤيتهم العذاب ، وقولهم : (هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) ومرادهم : الرّدّ إلى الدنيا ، والرؤية هنا رؤية عين ، والضمير في قوله : (عَلَيْها) عائد على النار ، وإن لم يتقدّم لها ذكر من حيث دلّ عليها قوله : (رَأَوُا الْعَذابَ).
وقوله : (مِنَ الذُّلِ) يتعلق ب (خاشِعِينَ).
وقوله تعالى : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) قال قتادة والسّدّيّ (١) : المعنى : يسارقون النّظر ؛ لما كانوا فيه من الهمّ وسوء الحال لا يستطيعون النظر بجميع العين ؛ وإنّما ينظرون ببعضها ؛ قال الثعلبيّ : قال يونس : (مِنَ) بمعنى الباء ، ينظرون بطرف خفيّ ، أي : ضعيف ؛ من أجل الذّلّ والخوف ، ونحوه عن الأخفش ، انتهى ، وفي البخاريّ (مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) ، أي : ذليل.
وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ...) الآية ، وقول (الَّذِينَ آمَنُوا) هو في يوم القيامة عند ما عاينوا حال الكفار وسوء منقلبهم.
وقوله تعالى : (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) يحتمل أن يكون من قول المؤمنين / يومئذ ، حكاه الله عنهم ، ويحتمل أن يكون استئنافا من قول الله عزوجل وأخباره لنبيه محمّد* ع*.
(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ)(٤٨)
وقوله تعالى : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ...) الآية ، إنحاء على الأصنام والأوثان التي أظهر الكفار ولايتها ، واعتقدت ذلك دينا ، ثم أمر تعالى نبيّه أن يأمرهم بالاستجابة لدعوة الله وشريعته من قبل إتيان يوم القيامة الذي لا يردّ أحد بعده إلى عمل ، قال* ع (٢) * : في الآية الأخرى في سورة «آلم غلبت الروم» : ويحتمل أن يريد : لا يردّه رادّ حتى لا يقع ، وهذا ظاهر بحسب اللفظ ، و «النكير» : مصدر بمعنى الإنكار ؛
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ١٥٩) برقم : (٣٠٧٣٨ ـ ٣٠٧٣٩) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٤١)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٢)