(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ)(٤٥)
وقوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ...) الآية ، المعنى : إنما سبيل الحكم والإثم على الذين يظلمون الناس ، روى التّرمذيّ عن كعب بن عجرة قال : قال لي النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، : «أعيذك بالله يا كعب من أمراء يكونون ، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فليس منّي ، ولست منه ، ولا يرد علي الحوض ، يا كعب ، الصلاة برهان ، والصبر جنّة حصينة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفىء الماء النّار ، يا كعب لا يربو لحم نبت من سحت إلّا كانت النار أولى به». قال أبو عيسى : هذا حديث حسن ، وخرّجه أيضا في «كتاب الفتن» وصحّحه (١) ، انتهى.
وقوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ) إلى قوله : (أَلِيمٌ) : اعتراض بين الكلامين ، ثم عاد في قوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ) إلى الكلام الأول ، كأنّه قال : ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ، (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ ...) الآية ، واللام في قوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ) يصحّ أن تكون لام قسم ، ويصح أن تكون لام الابتداء ، و (عَزْمِ الْأُمُورِ) : محكمها ومتقنها ، والحميد العاقبة منها ، فمن رأى أنّ هذه الآية / هي فيما بين المؤمنين والمشركين ، وأنّ الصبر للمشركين كان أفضل قال : إنّ الآية نسخت بآية السيف ، ومن رأى أنّ الآية بين المؤمنين ، قال : هي محكمة ، والصبر والغفران أفضل إجماعا ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا كان يوم القيامة ، نادى مناد : من كان له على الله أجر فليقم ، فيقوم عنق من الناس كبير ، فيقال : ما أجركم؟ فيقولون : نحن الّذين عفونا عمّن ظلمنا في الدّنيا» (٢).
وقوله تعالى : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) تحقير لأمر الكفرة ، أي : فلا يبالي بهم أحد من المؤمنين ؛ لأنّهم صائرون إلى ما لا فلاح لهم معه ، ثم وصف تعالى
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٥٢٥) ، كتاب «الفتن» باب : (٧٢) (٢٢٥٩) ، والنسائي (٧ / ١٦٠ ـ ١٦١) كتاب «البيعة» باب : من لم يعن أميرا على الظلم (٤٢٠٨) ، وابن حبان (٥ / ١٤١) (١٥٦٩) ، وأحمد (٣ / ٣٩٩) كلهم نحوه.
قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب ، لا نعرفه من حديث مسعر إلا من هذا الوجه.
(٢) أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (٣ / ٢٦٥)