وقوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ...) الآية ، عبارة عن حالهم وأفعالهم ، وخاتمتهم ، أي : هم بذلك كالداعين إلى النار ؛ وهم فيه أئمّة من حيث اشتهروا ، وبقي حديثهم ، فهم قدوة لكلّ كافر وعات إلى يوم القيامة ، و (الْمَقْبُوحِينَ) الذين يقبّح كلّ أمرهم ، قولا لهم وفعلا بهم ، قال ابن عباس : هم الذين قبحوا بسواد الوجوه وزرقة العيون (١) ، و (يَوْمَ) ظرف مقدّم (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني : التوراة والقصد بهذا الإخبار التمثيل لقريش ؛ بما تقدم في غيرها من الأمم و (بَصائِرَ) نصب على الحال ، أي : طرائق هادية.
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (٤٥)
وقوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ ...) الآية ، أي : ما كنت يا محمد حاضرا لهذه الغيوب الّتي تخبرهم بها ، ولكنّها صارت إليك بوحينا ، أي : فكان الواجب أن يسارعوا إلى الإيمان بك.
قال السهيلي : وجانب الغربي هو جانب الطور الأيمن ، فحين ذكر سبحانه نداءه لموسى قال : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) [مريم : ٥٢] وحين نفى عن محمد صلىاللهعليهوسلم أن يكون بذلك الجانب قال : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) والغربيّ : هو الأيمن ، وبين اللفظين في ذكر المقامين ما لا يخفى في حسن العبارة وبديع الفصاحة والبلاغة ؛ فإن محمدا عليهالسلام لا يقال له : ما كنت بالجانب الأيمن ؛ فإنّه لم يزل بالجانب الأيمن مذ كان في ظهر آدم عليهالسلام ، انتهى.
وقوله سبحانه : (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) [قال] الثعلبيّ : أي : فنسوا عهد الله ، انتهى. و (قَضَيْنا) معناه : أنفذنا ، و (الْأَمْرَ) يعني : التوراة.
وقالت فرقة : يعني به : ما أعلمه من أمر محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال ع (٢) : وهذا تأويل حسن يلتئم معه ما بعده من قوله (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً).
ت : قال أبو بكر بن العربيّ : قوله تعالى : (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) معناه :
__________________
(١) ذكره البغوي (٣ / ٤٤٧) ، وابن عطية (٤ / ٢٨٩)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٩٠)