قتلك ، وقال الأزهري : الباء في قوله : (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) بمعنى : «في» يقال : ائتمر القوم إذا شاور بعضهم بعضا ، انتهى. وعن أبي مجلز ـ واسمه لاحق بن حميد ـ قال : من خاف من أمير ظلما فقال : رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيّا وبالقرآن حكما وإماما ، نجّاه الله منه ؛ رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ، انتهى من «السلاح». و (تِلْقاءَ) معناه ناحية مدين ، وبين مصر ومدين مسيرة ثمانية أيام ، وكان ملك مدين لغير فرعون ، ولما خرج عليهالسلام فارّا بنفسه منفردا حافيا ؛ لا شيء معه ولا زاد وغير عارف بالطريق ؛ أسند أمره إلى الله تعالى وقال : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) ومشى ـ عليهالسلام ـ حتى ورد ماء مدين ، ووروده الماء ، معناه : بلوغه ، ومدين : لا ينصرف إذ هو بلد معروف ، والأمّة : الجمع الكثير ، و (يَسْقُونَ) معناه : ماشيتهم ، و (مِنْ دُونِهِمُ) معناه : ناحية إلى الجهة الّتي جاء منها ، فوصل إلى المرأتين قبل وصوله إلى الأمّة ، و (تَذُودانِ) معناه : تمنعان ، وتحبسان غنمهما عن الماء ؛ خوفا من السقاة الأقوياء ، و (أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) ، أي : لا يستطيع لضعفه أن يباشر أمر غنمه.
وقوله تعالى : (فَسَقى لَهُما).
قالت فرقة : كانت آبارهم مغطاة بحجارة كبار ، فعمد إلى بئر ، وكان حجرها لا يرفعه إلّا جماعة ، فرفعه وسقى للمرأتين. فعن رفع الصخرة وصفته إحداهما بالقوة ، وقيل : وصفته بالقوة ؛ لأنه زحم النّاس وغلبهم على الماء حتى سقى لهما.
وقرأ الجمهور (١) «يصدر الرعاء» ـ على حذف المفعول ـ تقديره : مواشيهم ، وتولّى موسى إلى الظلّ وتعرّض لسؤال ما يطعمه بقوله : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ولم يصرّح بسؤال ؛ هكذا ، روى جميع المفسرين أنّه طلب في هذا الكلام ما يأكله ، قال ابن عباس : وكان قد بلغ به عليهالسلام الجوع إلى أن اخضرّ لونه من أكل البقل ، ورئيت خضرة البقل في بطنه ، وإنه لأكرم الخلق يومئذ على الله ، وفي هذا معتبرّ وحاكم بهوان الدّنيا على (٢) الله تعالى ، وعن معاذ بن أنس قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أكل طعاما ، فقال :
__________________
(١) وقرأ أبو عمرو وابن عامر «حتى يصدر». وقرأ بها الحسن وأبو جعفر.
ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٨٣) ، و «السبعة» (٤٩٢) ، و «الحجة» (٥ / ٤١٢) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ١٦٩) ، و «معاني القراءات» (٢٥٠) ، و «العنوان» (١٤٧) ، و «حجة القراءات» (٥٤٣) ، و «شرح شعلة» (٥٣٣) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٤١)
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٥٧) رقم (٢٧٣٤٢) بنحوه ، وذكره البغوي (٣ / ٤٤١ ـ ٤٤٢) ، وابن عطية (٤ / ٢٨٤) ، وابن كثير (٣ / ٣٨٣ ، ٣٨٤) ، والسيوطي (٥ / ٢٣٧) ، وعزاه لسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والضياء في «المختارة» عن ابن عباس.