ـ عليهالسلام ـ قتل القبطيّ ، لكن وافقت وكزته الأجل ؛ فندم ، ورأى أنّ ذلك من نزغ الشيطان في يده ، ثم إن ندامة موسى عليهالسلام حملته على الخضوع لربّه والاستغفار من ذنبه ، فغفر الله له ذلك ، ومع ذلك لم يزل عليهالسلام يعيد ذلك على نفسه مع علمه أنه قد غفر له ، حتى إنّه في القيامة يقول : «وقتلت نفسا لم أومر بقتلها» ؛ حسبما صحّ في حديث الشفاعة ، ثم قال موسى ـ عليهالسلام ـ معاهدا لربه : ربّ بنعمتك عليّ وبسبب إحسانك وغفرانك ، فأنا ملتزم ألّا أكون معينا للمجرمين ؛ هذا أحسن ما تأول.
وقال الطبريّ (١) : إنه قسم ؛ أقسم بنعمة الله عنده.
قال ع (٢) : واحتج أهل الفضل والعلم بهذه الآية في منع خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمورهم ، ورأوا أنها تتناول ذلك ؛ نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره.
قال ابن عباس : ثم إنّ موسى ـ عليهالسلام ـ مرّ وهو بحالة الترقّب ؛ وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطيّ بالأمس يقاتل آخر من القبط (٣) ، وكان قتل القبطيّ قد خفي على الناس واكتتم ، فلما رأى الإسرائيلي موسى ، استصرخه ، بمعنى صاح به مستغيثا فلما رأى موسى ـ عليهالسلام ـ قتاله لآخر ؛ أعظم ذلك وقال له معاتبا ومؤنّبا : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) وكانت إرادة موسى ـ عليهالسلام ـ مع ذلك ، أن ينصر الإسرائيلي ، فلما دنا منهما ، وحبس الإسرائيلي وفزع منه ، وظن أنه ربما ضربه ، وفزع من قوته التي رأى بالأمس ، فناداه بالفضيحة وشهّر أمر المقتول ، ولما اشتهر أنّ موسى قتل القتيل ، وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى ، مع ما كان لموسى من المقدّمات أتى رأي فرعون وملئه على قتل موسى ، وغلب على نفس فرعون أنه المشار إليه بفساد المملكة ، فأنفد فيه من يطلبه ويأتي به للقتل ، وألهم الله رجلا ؛ يقال إنه مؤمن من آل فرعون أو غيره ، فجاء إلى موسى وبلّغه قبلهم و (يَسْعى) / معناه : يسرع في مشيه ؛ قاله ٥٦ ب الزجاج (٤) وغيره ، وهو دون الجري ، فقال : (يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ...) الآية.
ت قال الهروي : قوله تعالى : (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) أي : يؤامر بعضهم بعضا في
__________________
(١) ينظر : «الطبريّ» (١٠ / ٤٦)
(٢) ينظر : «المحرر» (٤ / ٢٨١)
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٤٧) رقم (٢٧٢٧٧) ، وذكره البغوي (٣ / ٤٤٠) ، وابن عطية (٤ / ٢٨١)
(٤) ينظر : «معاني القرآن» للزجاج (٤ / ١٣٨)