وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢١)
وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية : قال مجاهد وغيره : الإشارة بهذه الآية إلى المنافقين ، وعذابهم الأليم في الدنيا : الحدود ، وفي الآخرة : النار (١) ، وقالت فرقة : الآية عامّة في كلّ قاذف ، و [هذا] (٢) هو الأظهر.
وقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ) معناه : يعلم البريء من المذنب ، ويعلم سائر الأمور ، وجواب (لَوْ لا) أيضا محذوف تقديره : لفضحكم بذنوبكم ، أو لعذّبكم ونحوه.
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ...) الآية : خطوات جمع خطوة ، وهي ما بين القدمين في المشي ، فكأنّ المعنى : لا تمشوا في سبله وطرقه.
قلت : وفي قوله سبحانه : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) : ما يردع العاقل عن الاشتغال بغيره ، ويوجب له الاهتمام بإصلاح نفسه قبل هجوم منيّته وحلول رمسه ، وحدّث أبو عمر في «التمهيد» بسنده عن إسماعيل بن كثير قال : سمعت مجاهدا يقول : «إنّ الملائكة مع ابن آدم ، فإذا ذكر أخاه المسلم بخير ، قالت الملائكة : ولك مثله ، وإذا ذكره بشرّ ، قالت الملائكة : ابن آدم المستور عورته ، أربع على نفسك ، واحمد الله الذي يستر عورتك» انتهى ، وروّينا في «سنن أبي داود» عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من حمى مؤمنا من منافق ـ أراه قال : بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنّم ، ومن رمى مسلما بشيء يريد به شينه ، حبسه الله ـ عزوجل ـ على جسر جهنّم حتّى يخرج ممّا قال» (٣) ، وروينا أيضا عن أبي داود بسنده عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاريّين أنّهما قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من امرئ يخذل أمرا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته ، وينتقص فيه من عرضه ـ إلّا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه ، وينتهك فيه من حرمته ـ إلّا نصره الله في موضع يحبّ فيه
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٨٧) برقم (٣٥٨٧٠) نحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٧١) ، والسيوطي (٥ / ٦١) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والطبراني عن مجاهد بلفظ : «تظهر».
(٢) سقط في ج.
(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٨٧) كتاب الأدب : باب من رد على مسلم غيبة ، حديث (٤٨٨٣) ، وابن المبارك في «الزهد» (٢٣٩)