تفعلين ذلك؟ قالت : لا ، والله ، قال : فعائشة ـ والله ـ أفضل منك ، قالت أمّ أيوب : نعم» (١) فهذا الفعل ونحوه هو الذي عاتب الله فيه المؤمنين ؛ إذ لم يفعله جميعهم ، والضمير في قوله : (لَوْ لا جاؤُ) للذين تولوا كبره.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٨)
وقوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) هذا عتاب من الله تعالى ، بليغ في تعاطيهم هذا الحديث وإن لم يكن المخبر والمخبر مصدّقين ، ولكنّ نفس التعاطي والتلقي من لسان إلى لسان والإفاضة في الحديث ـ هو الذي وقع العتاب فيه ، وقرأ ابن يعمر (٢) وعائشة (رضي الله عنها) وهي أعلم الناس بهذا الأمر : «إذ تلقونه» / ـ بفتح التاء ، وكسر اللام ، وضم القاف ـ ، ومعنى هذه القراءة من قول العرب : ولق الرجل ولقا إذا كذب ، وحكى (٣) الطبريّ : أن هذه اللفظة مأخوذة من : الولق الذي هو إسراعك بالشيء بعد الشيء ؛ يقال : ولق في سيره إذا أسرع ، والضمير في : (تَحْسَبُونَهُ) للحديث والخوض فيه والإذاعة له.
وقوله تعالى : (سُبْحانَكَ) أي : تنزيها لله أن يقع هذا من زوج نبيّه صلىاللهعليهوسلم وحقيقة البهتان : أن يقال في الإنسان ما ليس فيه ، والغيبة : أن يقال في الإنسان ما فيه ، ثم وعظهم تعالى في العودة إلى مثل هذه الحالة.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٨٤) برقم (٢٥٨٥٩) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٧٠) ، وابن كثير (٣ / ٢٧٣) ، والسيوطي (٥ / ٦٠) ، وعزاه لابن إسحاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر.
(٢) وقرأ بها ابن عباس ، وعثمان الثقفي.
ينظر : «مختصر الشواذ» ص ١٠٢ ، و «المحتسب» (٢ / ١٠٤) ، و «الكشاف» (٣ / ٢١٩) ، و «المحرر الوجيز» (٤ / ١٧١) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٤٠٢) ، و «الدر المصون» (٥ / ٢١٣)
(٣) ينظر : «الطبريّ» (٩ / ٢٨٥)