وإنّي في ذلك لمن الصادقين ، ثم يقول في الخامسة : وأنّ لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ، وأمّا في لعان نفي الحمل فيقول : ما هذا الولد منّي ، وتقول المرأة : أشهد بالله ما زنيت ، وأنّه في ذلك لمن الكاذبين ، ثم تقول : غضب الله عليّ إن كان من الصادقين ، فإن منع جهلهما من ترتيب هذه الألفاظ ، وأتيا بما في معناها أجزأ ذلك ، ومشهور المذهب : أنّ نفس تمام اللعان بينهما فرقة ، ولا يحتاج معها إلى تفريق حاكم ، وتحريم اللعان أبديّ باتفاق فيما أحفظ من مذهب مالك ، وجواب (لَوْ لا) محذوف تقديره : لكشف الزناة بأيسر من هذا ، أو لأخذهم بعقابه ونحو هذا.
(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٣)
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ ...) الآية : نزلت في شأن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ففي «البخاريّ» في غزوة بني المصطلق عن عائشة رضي الله عنها قالت : وأنزل الله العشر الآيات في براءتي : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ ...) الآيات : والإفك : الزور والكذب ، وحديث الإفك في «البخاريّ» و «مسلم» وغيرهما مستوعب ، والعصبة : الجماعة من العشرة إلى الأربعين.
وقوله سبحانه : (لا تَحْسَبُوهُ) خطاب لكلّ من ساءه ذلك من المؤمنين.
وقوله تعالى : (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) معناه : أنّه تبرئة في الدنيا ، وترفيع من الله تعالى في أن نزّل وحيه بالبراءة من ذلك ، وأجر جزيل في الآخرة ، وموعظة للمؤمنين في غابر الدهر ، و (اكْتَسَبَ) : مستعملة في المآثم ، والإشارة بقوله تعالى : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) هي إلى : عبد الله بن أبيّ ابن سلول وغيره من المنافقين ، وكبره : مصدر كبر الشيء وعظم ولكن استعملت العرب ضمّ الكاف في السنّ.
وقوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ...) الآية : الخطاب للمؤمنين حاشا من تولى كبره ، وفي هذا عتاب للمؤمنين ، أي : كان الإنكار واجبا عليهم ، ويقيس فضلاء المؤمنين الأمر على أنفسهم ، فإذا كان ذلك يبعد فيهم فأمّ المؤمنين أبعد ، لفضلها ، ووقع هذا النّظر السديد من أبي أيّوب وامرأته ؛ وذلك أنّه دخل عليها فقالت له : «يا أبا أيوب ، أسمعت ما قيل؟ فقال : نعم ، وذلك الكذب ؛ أكنت أنت يا أمّ أيّوب