قال : «هذه الآية لكم».
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) الآية وعيد ، والإشارة إلى الكفّار ، و (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) معناه : سنسوقهم شيئا بعد شيء ودرجة بعد درجة ؛ بالنّعم عليهم والإمهال لهم ؛ حتى يغترّوا ويظنّوا أنهم لا ينالهم عقاب ، وقوله : (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ، أي : من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم ، وهذه عقوبة لهم من الله سبحانه على التّكذيب لما حتم عليهم بالعذاب ، أملى لهم ليزدادوا إثما.
وقوله : (وَأُمْلِي) : معناه : أؤخّر ملاوة من الدهر ، أي : مدّة و (مَتِينٌ) : معناه : قويّ.
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١٨٦)
وقوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ / ...) الآية : تقرير يقارنه توبيخ للكفّار ، والوقف على قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) ، ثم ابتدأ القول بنفي ما ذكروه ، فقال : (ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) أي : بمحمّد صلىاللهعليهوسلم ، ويحتمل أن يكون المعنى : أو لم يتفكّروا أنه ما بصاحبهم من جنّة ، ويظهر من رصف الآية أنها باعثة لهم على الفكرة في أمره صلىاللهعليهوسلم وأنه ليس به جنّة كما أحالهم بعد هذه الآية على النّظر.
وقال الفخر (١) : قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) أمر بالفكر والتأمّل والتدبّر ، وفي اللفظ محذوف ، والتقدير : أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنّة ، والجنّة : حالة من الجنون ، كالجلسة ، ودخول «من» في قوله : (مِنْ جِنَّةٍ) ينفي أنواع الجنون. انتهى.
وقوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية : النّظر هنا بالقلب عبرة وفكرا ، و (مَلَكُوتِ) : بناء عظمة ومبالغة.
وقوله : (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) : لفظ يعمّ جميع ما ينظر فيه ، ويستدلّ به من الصنعة الدالّة على الصانع ، ومن نفس الإنسان وحواسّه ومواضع رزقه ، والشّيء : واقع على الموجودات ، (وَأَنْ عَسى) : عطف على قوله : (فِي مَلَكُوتِ) ، والمعنى : توقيفهم على أن لم يقع لهم نظر في شيء من هذا ، ولا في أنهم قربت آجالهم ، فماتوا ففات أو ان
__________________
(١) ينظر : «تفسير الرازي» (١٥ / ٦٢)