المعنى من تشبّه بهم من عصاة المؤمنين ، والمعنى في هذه الآية : سأجعل الصّرف عن الآيات ؛ عقوبة للمتكبّرين على تكبّرهم ، وقوله : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) حتم من الله على الطائفة التي قدّر عليهم ألّا يؤمنوا ، وقوله : (ذلِكَ) : إشارة إلى الصّرف المتقدّم.
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ ...) الآية : هذه الآية مؤكّدة للتي قبلها ، وفيها تهديد.
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(١٥١)
وقوله سبحانه : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) : الخوار : صوت البقر ، وقرأت فرقة : «له جؤار» ـ بالجيم ـ ، أي : صياح ، ثم بيّن سبحانه سوء فطرهم ، وقرّر فساد اعتقادهم بقوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ ...) الآية : وقوله : (وَكانُوا ظالِمِينَ) : إخبار عن جميع أحوالهم ؛ ماضيا ، وحالا ، ومستقبلا ، وقد مرّ في «البقرة» قصّة العجل ؛ فأغنى عن إعادته.
قال أبو عبيدة : يقال لمن ندم على أمر ، وعجز عنه : سقط في يده ، وقول بني إسرائيل : (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) ، إنما كان بعد رجوع موسى ، وتغيّره عليهم ، ورؤيتهم أنهم قد خرجوا من الدّين ، ووقعوا في الكفر.
وقوله سبحانه : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) ، يريد : رجع من المناجاة ، والأسف : قد يكون بمعنى الغضب الشديد ، وأكثر ما يكون بمعنى الحزن ، والمعنيان مترتبان هنا.
وعبارة* ص* : (غَضْبانَ) : صفة مبالغة ، والغضب غليان القلب ؛ بسبب ما يؤلم و (أَسِفاً) : من أسف ، فهو أسف ، كفرق فهو فرق ، يدل على ثبوت الوصف ، ولو ذهب به مذهب الزمان ، لقيل : آسف ؛ على وزن فاعل ، والأسف : الحزن. انتهى.
وقوله تعالى : (أَعَجِلْتُمْ) ، معناه : أسابقتم قضاء ربّكم ، واستعجلتم إتياني قبل الوقت الذي قدر به ، قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : كان سبب إلقائه الألواح ـ غضبه على