قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] (١) ، قال أبو عيسى : وقد روي هذا الحديث من غير وجه مرفوعا ، وموقوفا. انتهى.
قال مجاهد وغيره : إن الله عزوجل قال له : يا موسى ، لن تراني ، ولكنّ سأتجلّي للجبل ، وهو أقوى منك ، وأشدّ ؛ فإن استقرّ وأطاق الصبر لهيبتي ، فستمكنك أنت رؤيتي (٢).
قال* ع (٣) * : فعلى هذا إنما جعل الله الجبل مثالا ، قلت : وقول* ع (٤) * : ولو بقينا مع هذا النفي بمجرّده ، لقضينا أنّه لا يراه موسى أبدا ولا في الآخرة ، قول مرجوح لم يتفطّن له رحمهالله ، والحقّ الذي لا شكّ فيه أنّ «لن» لا تقتضي النفي المؤبّد (٥).
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٣١) كتاب «التفسير» باب : «ومن سورة القيامة» ، حديث (٣٣٣٠) ، والطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٤٤) برقم : (٣٥٦٦٦) كلاهما من طريق إسرائيل عن ثوير عن عبد الله بن عمر به. وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، وقد رواه غير واحد عن إسرائيل مثل هذا مرفوعا ، ورواه عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير ، عن ابن عمر من قوله ، ولم يرفعه. ا ه.
قلت : بل رواه عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير ، عن ابن عمر مرفوعا.
أخرجه الحاكم (٢ / ٥٠٩) من طريق عبد الملك به وقال : تابعه إسرائيل بن يونس ، عن ثوير ، عن ابن عمر.
وقال أيضا : وثوير بن أبي فاختة ، وإن لم يخرجاه ، فلم ينقم عليه غير التشيع.
وتعقبه الذهبي فقال : بل هو واهي الحديث. والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٧٠) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والآجري في «الشريعة» ، والدارقطني في «الرؤية» ، وابن مردويه ، واللالكائي في «السنة».
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٥٤) برقم : (١٥١٠٠) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٥٠) ، والسيوطي (٣ / ٢٢١) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٥٠)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٥٠)
(٥) لن : لا يلزم من نفيها التأبيد ، وإن كان بعضهم فهم ذلك ، حتّى إن ابن عطية قال : فلو بقينا على هذا النفي بمجرده لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ، ولا في الآخرة ، لكن ورد من جهة أخرى الحديث المتواتر أن أهل الجنة يرونه ، قلت : وعلى تقدير أنّ «لن» ليست مقتضية للتأبيد ، فكلام ابن عطية وغيره ممن يقول : إنّ نفي المستقبل بعدها يعمّ جميع الأزمنة المستقبلة صحيح ، لكن لمدرك آخر ، وهو أن الفعل نكرة ، والنكرة في سياق النفي تعمّ ، وللبحث فيه مجال. والاستدراك في قوله : (وَلكِنِ انْظُرْ) واضح. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف اتصل الاستدراك في قوله : (وَلكِنِ انْظُرْ)؟ قلت : اتصل به على معنى أن النظر إليّ محال فلا تطلبه ، ولكن اطلب نظرا آخر ، وهو أن تنظر إلى الجبل. وهذا على رأيه من أن الرؤية محال مطلقا في الدنيا والآخرة.
ينظر : «الدر المصون» (٣ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩)