الذي هو صفة ذات ، وكلام الله سبحانه لا يشبه كلام المخلوقين (١) ، وليس في جهة من الجهات ، وكما هو موجود لا كالموجودات ، ومعلوم لا كالمعلومات ؛ كذلك كلامه لا يشبه الكلام الذي فيه علامات الحدوث ، وجواب «لمّا» في قوله : (قالَ) ، والمعنى أنّه لمّا كلّمه الله عزوجل ، وخصّه بهذه المرتبة ، طمحت همته إلى رتبة الرؤية ، وتشوّق إلى ذلك ، فسأل ربّه الرؤية ، ورؤية الله عزوجل عند أهل السنة جائزة عقلا ؛ لأنه من حيث هو موجود تصحّ رؤيته ؛ قالوا : لأن الرؤية للشّيء لا تتعلّق بصفة من صفاته أكثر من الوجود ، فموسى عليهالسلام لم يسأل ربّه محالا ، وإنما سأله جائزا ، وقوله سبحانه : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ...) الآية : ليس بجواب من سأل محالا ، و «لن» تنفي الفعل المستقبل ، ولو بقينا مع هذا النفي بمجرّده ، لقضينا أنه لا يراه موسى أبدا ، ولا في الآخرة ، لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر ؛ أنّ أهل الإيمان يرون الله يوم القيامة ، فموسى عليهالسلام أحرى برؤيته ، قلت : وأيضا قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] ، فهو نصّ في الرؤية بيّنه صلىاللهعليهوسلم ؛ ففي «الترمذي» عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيّة» ، ثم
__________________
(١) لا خلاف لأرباب الملل جميعا في كون الباري تعالى متكلما ، وإنما الخلاف في معنى كلامه ، وهل هو قديم أو حادث ، وقد قام الدليل السمعي على إثبات الكلام لله تعالى ، وهو ما نقل تواترا عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أنه تعالى أمر بكذا ، ونهى عن كذا ، وأخبر بكذا. وكل هذا من أقسام الكلام ، وليس في إثبات الكلام للواجب تعالى بما نقل تواترا عن الأنبياء دور ؛ لأن ظهور المعجزة كاف في الدلالة على صدقهم في دعواهم النبوّة ، وليس تصديقه تعالى لهم كلاما حتى يجيء الدور ، بل تصديقه لهم بإظهار المعجزة على صدق دعواهم ، سواء كانت المعجزة من جنس الكلام من حيث كونه معجزا ، كالقرآن أو كانت شيئا آخر.
والأشاعرة يقولون : كلام الواجب وصف له ، ووصف القديم قديم. ويريدون من «الكلام» المعنى النفسي.
فكلامه تعالى صفة أزلية قائمة بذاته تعالى منافية للسكوت والآفة كما في الخرس والطفولية ، ليست من جنس الأصوات والحروف ، هو بها أمر ناه. وتلك الصفة واحدة في ذاتها وإن اختلفت العبارات الدالة عليها كما إذا ذكر الله تعالى بألسنة مختلفة.
وخالفت الفرق جميعها الأشاعرة فيما ذكر ، فقد اتفقوا على نفي كونه صفة نفسية. حيث قالوا : هو اللفظ المنتظم من الحروف المسموعة الدالة على المعاني المقصودة. وافترقت هذه الطوائف إلى ثلاثة فرق ، وزعموا أنه لا معنى للكلام إلا المنتظم من الحروف المسموعة الدالة على المعاني المقصودة ، وأن الكلام النفسي غير معقول.
ينظر : «تحقيق صفة الكلام» لشيخنا حافظ محمد مهدي.