يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)(١٤١)
وقوله سبحانه : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) : أي : بحر القلزم ، (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ) ، قيل : هم الكنعانيّون.
وقيل : هم من لخم وجذام ، والقوم في كلام العرب : هم الرجال خاصّة (يَعْكُفُونَ) ، العكوف : الملازمة (عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) ، قيل كانت بقرا.
وقال ابن جريج : كانت تماثيل بقر من حجارة وعيدان ونحوها ، وذلك كان أوّل فتنة العجل ، وقولهم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) ، يظهر منه استحسانهم لما رأوه من تلك الآلهة ؛ بجهلهم ؛ فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى ، وفي جملة ما يتقرّب به إلى الله ، وإلّا فبعيد أن يقولوا لموسى : اجعل لنا صنما نفرده بالعبادة ، ونكفر بربّك ؛ وعلى هذا الذي قلت يقع التشابه الذي نصّه النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قول أبي واقد اللّيثيّ اجعل لنا ، يا رسول الله ، ذات أنواط ؛ كما لهم ذات أنواط (١) ، فأنكره النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقال : «الله أكبر! قلتم والله كما قالت بنو إسرائيل ؛ (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) : لتّتبعنّ سنن من قبلكم ...» الحديث (٢) ، ولم يقصد أبو واقد بمقالته فسادا ، وقال بعض الناس ؛ كان ذلك من بني إسرائيل كفرا ، ولفظة «الإله» تقتضي ذلك ، وهذا محتمل ، وما ذكرته أولا أصحّ ، والله أعلم.
قلت : وقولهم : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) [طه : ٨٨] ، وجواب موسى هنا يقوّي الاحتمال الثاني ، نعم : الّذي يجب أن يعتقد أنّ مثل هذه المقالات إنما صدرت من
__________________
(١) هي اسم شجرة بعينها كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم ، أي : يعلقونه بها ، ويعكفون حولها ، فسألوه أن يجعل لهم مثلها ، فنهاهم عن ذلك. وأنواط : جمع نوط ، وهو مصدر سمي به المنوط.
ينظر : «النهاية» (٥ / ١٢٨)
(٢) أخرجه الترمذي (٤ / ٤٧٥) كتاب «الفتن» باب : ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم ، حديث (٢١٨٠) ، وأحمد (٥ / ٢١٨) ، والنسائي في التفسير (١ / ٤٩٩ ـ ٥٠٠) ، والحميدي (٨٤٨) ، والطيالسي (١٣٤٦) ، وعبد الرزاق (٢٠٧٦٣) ، وأبو يعلى (٣ / ٣٠) برقم : (١٤٤١) ، وابن حبان (١٨٣٥ ـ موارد) ، وابن أبي عاصم في «السنة» (٧٦) ، والطبراني (٣٢٩٠ ، ٣٢٩٤) كلهم من طريق سنان بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي به.
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢١٣) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.