وقوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا ...) الآية : (الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) كناية عن بني إسرائيل ، و (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا). قال الحسن وغيره : هي الشام (١). وقالت فرقة : يريد الأرض كلّها ؛ وهذا يتّجه إمّا على المجاز ؛ لأنه ملّكهم بلادا كثيرة ، وإما على الحقيقة في أنّه ملك ذرّيّتهم ، وهم سليمان بن داود ، ويترجّح التأويل الأول بوصف الأرض بأنها التي بارك فيها سبحانه.
وقوله سبحانه : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) ، أي : ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النّجاة من عدوّهم ، والظهور عليه ؛ قاله مجاهد (٢) ، و (يَعْرِشُونَ) قال ابن عباس (٣) ومجاهد (٤) : معناه : يبنون.
قال* ع (٥) * : رأيت للحسن البصريّ رحمهالله ؛ أنّه احتجّ بقوله سبحانه : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ...) إلى آخر الآية ؛ على أنه ينبغي ألّا يخرج عن ملوك السّوء ، وإنما ينبغي أن يصبر عليهم ؛ فإن الله سبحانه (٦) يدمّرهم ، ورأيت لغيره ؛ أنه إذا قابل الناس البلاء بمثله ، وكّلهم الله إليه ، وإذا قابلوه بالصبر ، وانتظار الفرج ، أتى الله بالفرج ، وروي هذا أيضا عن الحسن (٧).
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٤٣ ـ ٤٤) برقم : (١٥٠٥٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٦) ، وابن كثير (٢ / ٢٤٢) ، والسيوطي (٣ / ٢٠٨) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن عساكر.
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٤٤) برقم : (١٥٠٥٨) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٦) ، وابن كثير (٢ / ٢٤٢) ، والسيوطي (٣ / ٢١٢) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٤٥) برقم : (١٥٠٦٠) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٧) ، وابن كثير (٢ / ٤٤٢) ، والسيوطي (٣ / ٢١٢) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٤٥) برقم : (١٥٠٦١) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٧) ، والبغوي (٢ / ١٩٤) ، وابن كثير (٢ / ٢٤٢) ، والسيوطي (٣ / ٢١٢) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٤٧)
(٦) ذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٧) ، والسيوطي (٣ / ٢١٢) ، وعزاه لابن سعد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٧) ذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٧)