(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ)(٥)
وقوله سبحانه : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) قالت فرقة : المراد وكم من أهل قرية.
وقالت فرقة : اللفظ يتضمّن هلاك القرية وأهلها ، وهو أعظم العقوبة ، و «الفاء» في قوله سبحانه : (فَجاءَها بَأْسُنا) لترتيب القول فقط.
وقيل : المعنى أهلكناها بالخذلان ، وعدم التوفيق ، فجاءها بأسنا بعد ذلك و (بَياتاً) ، نصب على المصدر في موضع الحال ، و (قائِلُونَ) من القائلة ، وإنما خصّ وقتي الدّعة (١) والسكون ؛ لأن مجيء العذاب فيهما أفظع وأهول ؛ لما فيه من البغتة والفجأة.
قال أبو (٢) حيان : أو للتفصيل ، أي : جاء بعضهم بأسنا ليلا ، وبعضهم نهارا (٣) انتهى.
وقوله عزوجل : (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) هذه الآية يتبيّن منها أن المراد في الآية قبلها أهل القرى ، والدعوى (٤) في كلام العرب تأتي لمعنين :
أحدهما : الدعاء ، ومنه قوله عزوجل : (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) [الأنبياء : ١٥].
والثاني : الادّعاء ، وهذه الآية تحتمل المعنيين ، ثم استثنى سبحانه من غير الأول كأنه قال : لم يكن منهم دعاء أو ادّعاء إلّا الإقرار (٥) ، والاعتراف ، أي : هذا كان بدل الدعاء ،
__________________
(١) الدّعة : الخفض من العيش والراحة ، والهاء عوض من الواو.
ينظر : «لسان العرب» (٤٧٩٥) (ودع)
(٢) ينظر «البحر المحيط» (٤ / ٢٦٩)
(٣) ذكره ابن عطية (٢ / ٣٧٤) بنحوه.
(٤) هي قول مقبول يقصد به الإنسان إيجاب حق له على غيره ، سواء كان ذلك حال المنازعة أو لا ، وتقول العرب : ادعى كذا ادعاء : زعم أن له حقّا أو باطلا ، والاسم منه الدعوى ، والجمع : دعاوى بالفتح ، ودعاو بالكسر ، وهو الراجح عند سيبويه عند الإضافة إلى الضمير ، وغلب الكسر في دعوى النسب ، والفتح في المأدبة ، واسم المدعي يتناول في العرف من لا حجة له ، ولا يتناول من له حجة ، ولذا يقال لمسيلمة الكذاب : مدعي النبوة ، ولا يقال ذلك بالنسبة للنبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن نبوته ثبتت بالمعجزة ، فالمطالب بحقه قبل قيام حجته يسمى مدعيا ، وبعدها يسمى محقّا.
ينظر : «الدعوى» لشيخنا : عبد الحميد سليمان الدسوقي.
(٥) الإقرار لغة : إفعال ، من قرّ ـ الشيء : إذا ثبت ـ يقر ، من باب ضرب وعلم وثبت وسكن ، وأقره في مكانه : أثبته ـ