وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي : أنا بشر ينتهي علمي إلى حيث يوحى إليّ ، ومما يوحى إليّ (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) وباقي الآية بيّن في الشرك بالله تعالى ، وقال ابن جبير في تفسيرها لا يرائي في عمله ، وقد ورد حديث أنها نزلت في الرياء.
* ت* : وروى ابن المبارك في «رقائقه» ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أنه كان يصف أمر الرياء ، فيقول : ما كان من نفسك فرضيته نفسك لها ، فإنه من نفسك فعاتبها ، وما كان من نفسك ، فكرهته نفسك لها ، فإنه من الشيطان ؛ فتعوّذ بالله منه ، وكان أبو حازم يقول ذلك (١) ، وأسند ابن المبارك عن عبد الرحمن بن أبي أميّة ، قال : كلّ ما كرهه العبد فليس منه (٢) انتهى ، وخرّج الترمذيّ عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاريّ ، وكان من الصحابة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا جمع الله النّاس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه ، نادى مناد : من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا ، فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإنّ الله أغنى الشّركاء عن الشّرك» (٣) ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب انتهى ، وقد خرّج مسلم معناه.
* ت* : ومما جّربته ، وصحّ من خواصّ هذه السورة ، أنّ من أراد أن يستيقظ أيّ وقت شاء من الليل ، فليقرأ عند نومه قوله سبحانه : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي / مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ ...) إلى آخر السورة ، فإنه يستيقظ بإذن الله في الوقت الذي نواه ، ولتكن قراءته عند آخر ما يغلب عليه النّعاس ؛ بحيث لا يتجدّد له عقب القراءة خواطر ، هذا مما لا شكّ فيه ، وهو من عجائب القرآن المقطوع بها ، والله الموفّق بفضله.
تنبيه : روّينا في «صحيح مسلم» ، عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ في اللّيل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدّنيا والآخرة إلّا أعطاه إيّاه» (٤) ، وذلك كلّ ليلة ، فإن أردتّ أن تعرف هذه الساعة ، فاقرأ عند نومك من قوله
__________________
(١) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ص : (٢٨٧) برقم : (٨٣١)
(٢) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ص : (٢٨٧) برقم : (٨٣٢)
(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٣١٤) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة الكهف ، حديث (٣١٥٤) ، وابن ماجه (٢ / ١٤٠٦) كتاب «الزهد» باب : الرياء والسمعة ، حديث (٤٢٠٣) ، وأحمد (٣ / ٤٦٦) ، وابن حبان (٢٤٩٩ ـ موارد) ، والدولابي في «الكنى» (١ / ٣٥) ، والطبراني في «الكبير» (٢٢ / ٣٠٧) برقم : (٧٧٨).
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، وصححه ابن حبان.
(٤) أخرجه مسلم (٣ / ٨٤ ـ الأبي) كتاب «صلاة المسافرين» باب : في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء ، حديث (١٦٦ ـ ١٧٦ / ٧٥٧) من حديث جابر ، وأخرجه أحمد (٣ / ٣١٣)