الاستغاثة بهم ، واختلف في قوله : (مَوْبِقاً) ، فقال ابن عباس : معناه مهلكا (١) ، وقال عبد الله بن عمر وأنس بن مالك ومجاهد : (مَوْبِقاً) هو واد في جهنّم يجري بدم وصديد (٢). قال أنس : يحجز بين أهل النار وبين المؤمنين (٣).
وقوله سبحانه : (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) ، أي : مباشروها ، وأطلق الناس أنّ الظنّ هنا بمعنى اليقين.
قال* ع* (٤) : والعبارة بالظّنّ لا تجيء أبدا في موضع يقين تامّ قد قاله الحسن (٥) بل أعظم درجاته أن يجيء ، في موضع متحقّق ، لكنه لم يقع ذلك المظنون ، والّا فمذ يقع ويحسّ لا يكاد توجد في كلام العرب العبارة عنه بالظّنّ ، وتأمّل هذه الآية ، وتأمّل كلام العرب ، وروى أبو سعيد الخدريّ ، أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الكافر ليرى جهنّم ، ويظنّ أنّها مواقعته من مسيرة أربعين سنة» (٦) ، و «المصرف» : المعدل والمراغ ، وهو مأخوذ من الانصراف من شيء إلى شيء.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)(٥٩)
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ٢٣٩) برقم : (٢٣١٤٢) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٥٢٤) ، وابن كثير (٣ / ٩٠) ، والسيوطي (٤ / ٤١٤) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٨ / ٢٤٠) برقم : (٢٣١٤٩) ، وذكره الطبري (٨ / ٢٤١) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٥٢٣) ، وذكره البغوي (٣ / ١٦٨) ، وذكره ابن كثير (٣ / ٩٠) نحوه ، والسيوطي في «الدر» (٤ / ٤١٤)
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٥٢٣)
(٤) ينظر : «المحرر» (٣ / ٥٢٤)
(٥) ذكره ابن عطية (٣ / ٥٢٤)
(٦) أخرجه أحمد (٣ / ٧٥) ، وابن حبان (٢٥٨١ ـ موارد) ، والطبري (١٥ / ٢٦٥) ، والحاكم (٤ / ٥٩٧) ، من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، وصححه ابن حبان.