(الْكِتابُ) اسم جنس يراد به كتب النّاس التي أحصتها الحفظة لواحد واحد ، ويحتمل أن يكون الموضوع كتابا واحدا حاضرا ، وباقي الآية بيّن.
وقوله سبحانه : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) قالت فرقة : إبليس لم يكن من الملائكة ، بل هو من الجنّ ، وهم الشياطين المخلوقون من مارج من نار ، وجميع الملائكة إنما خلقوا من نور ، واختلفت هذه الفرقة ، فقال بعضهم : إبليس من الجنّ ، وهو أولهم وبدأتهم ، كآدم من الإنس ، وقالت فرقة : بل كان إبليس وقبيله جنّا ، لكن جميع الشياطين اليوم من ذريته ، فهو كنوح في الإنس ، واحتجّوا بهذه الآية.
وقوله : (فَفَسَقَ) معناه فخرج عن أمر ربّه وطاعته.
وقوله عزوجل : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) يريد : أفتتّخذون إبليس.
وقوله : (وَذُرِّيَّتَهُ) : ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من الشياطين ، الذين يأمرون بالمنكر ، ويحملون على الأباطيل.
وقوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) أي : بدل ولاية الله عزوجل بولاية إبليس وذريته ، وذلك هو التعوّض من الحقّ بالباطل.
(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) (٥٣)
وقوله سبحانه : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية : الضمير في (أَشْهَدْتُهُمْ) عائد على الكفّار ، وعلى النّاس بالجملة / فتتضمّن الآية الرّدّ على طوائف من المنجّمين وأهل الطبائع والمتحكّمين من الأطبّاء ، وسواهم من كل من يتخرّص في هذه الأشياء ، وقيل : عائد على ذرية إبليس ، فالآية على هذا تتضمّن تحقيرهم ، والقول الأول أعظم فائدة ، وأقول : إنّ الغرض أولا بالآية هم إبليس وذريته ، وبهذا الوجه يتّجه الردّ على الطوائف المذكورة ، وعلى الكهّان والعرب المصدّقين لهم ، والمعظّمين للجنّ ، حين يقولون : أعوذ بعزيز هذا الوادي ، إذ الجميع من هذه الفرق متعلّقون بإبليس وذريته ، وهم أضلّ الجميع ، فهم المراد الأول ب (الْمُضِلِّينَ) ، وتندرج هذه الطوائف في معناهم ، وقرأ الجمهور (١) : «وما كنت» ، وقرأ أبو جعفر (٢) والجحدريّ والحسن ، بخلاف «وما كنت» ، «والعضد» : استعارة للمعين والمؤازر ، (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ) أي : على جهة
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٥٢٣) ، و «البحر المحيط» (٦ / ١٣٠) ، و «الدر المصون» (٤ / ٤٦٤)
(٢) ينظر : مصادر القراءة السابقة.