طول نومهم ، واستشعر أنّ أمرهم خرج عن العادة بعض الخروج ، وظاهر أمرهم أنهم انتبهوا في حال من الوقت ، والهواء الزمانيّ لا يباين الحالة التي ناموا عليها ، وقولهم : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ) يروى أنهم انتبهوا ، وهم جياع ، وأنّ المبعوث هو تمليخا ، وروي أن باب الكهف انهدم بناء الكفّار منه ؛ لطول السنين ، ويروى أن راعيا هدمه ؛ ليدخل فيه غنمه ، فأخذ تمليخا ثيابا رثّة منكرة ولبسها ، وخرج من الكهف ، فأنكر ذلك البناء المهدوم ؛ إذ لم يعرفه بالأمس ، ثم مشى ، فجعل ينكر الطريق والمعالم ، ويتحيّر وهو في ذلك لا يشعر شعورا تامّا ، بل يكذّب ظنه فيما تغيّر عنده حتى بلغ باب المدينة ، فرأى على بابها أمارة الإسلام ، فزادت حيرته ، وقال : كيف هذا ببلد دقيوس ، وبالأمس كنا معه تحت ما كنا ، فنهض إلى باب آخر ، فرأى نحوا من ذلك ؛ حتى مشى الأبواب كلّها ، فزادت حيرته ، ولم يميّز بشرا ، وسمع الناس يقسمون باسم عيسى ، فاستراب بنفسه ، وظنّ أنه جنّ ، أو انفسد عقله ، فبقي حيران يدعو الله تعالى ، ثم نهض إلى باب الطعام الذي أراد / اشتراءه ، فقال : يا عبد الله ، بعني من طعامك بهذه الورق ، فدفع إليه دراهم ، كأخفاف الربع فيما ذكر ، فعجب لها البائع ودفعها إلى آخر يعجّبه ، وتعاطاها النّاس ، وقالوا له : هذه دراهم عهد فلان الملك ، من أين أنت؟ وكيف وجدت هذا الكنز ، فجعل يبهت ويعجب ، وقد كان بالبلد مشهورا هو وبيته ، فقال : ما أعرف غير أنّي وأصحابي خرجنا بالأمس من هذه المدينة ، فقال النّاس : هذا مجنون ، اذهبوا به إلى الملك ، ففزع عند ذلك ، فذهب به حتى جيء به إلى الملك ، فلما لم ير دقيوس الكافر ، تأنّس ، وكان ذلك الملك مؤمنا فاضلا يسمّى تبدوسيس ، فقال له الملك : أين وجدت هذا الكنز؟ فقال له : إنما خرجت أنا وأصحابي أمس من هذه المدينة ، فأوينا إلى الكهف الذي في جبل أنجلوس ، فلما سمع الملك ذلك ، قال في بعض ما روي : لعلّ الله قد بعث لكم أيّها الناس آية فلنسر إلى الكهف ، حتى نرى أصحابه ، فساروا ، وروي أنه أو بعض جلسائه قال : هؤلاء هم الفتية الذين ورّخ أمرهم على عهد دقيوس الملك ، وكتب على لوح النّحاس بباب المدينة ، فسار الملك إليهم ، وسار الناس معه فلما انتهوا إلى الكهف ، قال تمليخا : أدخل عليهم لئلا يرعبوا ، فدخل عليهم ، فأعلمهم بالأمر ، وأن الأمة أمّة إسلام ، فروي أنهم سرّوا وخرجوا إلى الملك ، وعظّموه ، وعظّمهم ، ثم رجعوا إلى الكهف ، وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدّثهم تمليخا ، فانتظرهم النّاس ، فلما أبطأ خروجهم ، دخل الناس إليهم ، فرعب كلّ من دخل ، ثم أقدموا فوجدوهم موتى ، فتنازعوا بحسب ما يأتي ، وفي هذه القصص من الاختلاف ما تضيق به الصحف فاختصرته ، وذكرت المهم الذي به تتفسّر ألفاظ الآية ، واعتمدت الأصحّ والله المعين برحمته ، وفي هذا البعث بالورق جواز الوكالة ، وصحّتها.